اعلم أن هذا الخبر ليس مما يرجع إلى شيء من الصفات لأن "العرش" محدث مخلوق ، وغير ممتنع أن يهتز العرش على الحقيقة ، ويتحرك لموت سعد ، لأن العرش تجوز عليه الحركة ، ويكون لذكره فائدة وهو : فضيلة سعد ، أن العرش مع عظم قدره اهتز له [ ص: 384 ] وقد تأول قوم على أن العرش ها هنا السرير الذي كان عليه سعد! وهذا غلط لوجهين أحدهما : أن في الخبر " اهتز عرش الرحمن جل اسمه " وإضافة العرش إلى الله سبحانه إنما ينصرف إلى العرش الذي هو في السماء والثاني : أنه قصد بهذا الخبر فضيلة سعد ، ولا فضيلة في تحرك سريره واهتزازه ، لأن سرير غيره قد يتحرك ويهتز من تحته .
وتأوله آخرون : على أن الاهتزاز ها هنا راجع إلى حملة العرش ، الذين يحملونه ويطوفون حوله ، وأقام العرش مقام من يحمله ويطوف به من الملائكة ، كما قال تعالى : ( فما بكت عليهم السماء والأرض ) وإنما يريد أهل السماء وأهل الأرض ، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم في أحد : " " يريد : يحبنا أهله يعني الأنصار! [ ص: 385 ] ويكون معنى اهتزاز حملته الاستبشار والسرور به ، يقال : فلان يستبشر للمعروف ويهتز له ، ومنه قيل في المثل : إن فلانا إذا دعي اهتز ، وإذا سئل ارتز ، والكلام هذا جبل يحبنا ونحبه ، والمعنى فيه : إذا دعي إلى طعام يأكله ارتاح له واستبشر ، وإذا دعي لحاجة ارتز ، أي تقبض ولم ينطلق ، قال الشاعر : لأبي الأسود الدئلي
وتأخذه عند المكارم هزة كما اهتز عند البارح الغصن الرطب
.وهذا غلط لما بينا أنه غير ممتنع من إضافة الاهتزاز إلى العرش لكونه محدثا ، وقد قال تعالى : ( يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا ) وهذه إضافة صحيحة إلى السماء والأرض ، وكذلك إضافة ذلك إلى العرش ، وحمل ذلك على حملة العرش عدول عن الحقيقة إلى المجاز من غير حاجة إلى ذلك ، ولئن جاز هذا ، جاز العدول في قوله : ( تمور السماء مورا ) معناه أهل السماء ( وتسير الجبال سيرا ) معناه أهل الجبال ، ولأن ما يمنع من حمل الخبر على العرش يمنع من حمله على حملته ، وما يجوز في أحدهما نجوزه في الآخر ، ولأنه لا يجب أن يمتنع المخالف من هذا ، لأنه لا يثبت كونه على العرش ، وإذا لم يثبت ذلك لم يمتنع إضافة ذلك إلى العرش وأما قوله : ( فما بكت عليهم السماء والأرض ) فمعناه : فما [ ص: 386 ] بكت عليهم السماء بأهلها ، وكذلك قوله : " هذا جبل يحبنا " معناه يحبنا بأهله [ ص: 387 ] حديث آخر .