ذكر تلبيسه عليهم في الصلاة
من ذلك ومنهم من يغسل ثيابه في دجلة لا يرى غسلها في البيت يجزئ ومنهم من يدليها في البئر كفعل اليهود وما كانت الصحابة تعمل هذا، بل قد صلوا في ثياب فارس لما فتحوها واستعملوا أوطئتهم وأكسيتهم، ومن الموسوسين من يقطر عليه قطرة ماء فيغسل الثوب كله وربما تأخر لذلك عن صلاة الجماعة، ومنهم من ترك الصلاة جماعة لأجل مطر يسير يخاف أن ينتضح عليه - ولا يظن ظان أنني أمتنع من النظافة والورع ولكن المبالغة الخارجة عن حد الشرع المضيعة للزمان هي التي ننهي عنها، ومن ذلك تلبيسه عليهم في نية الصلاة فمنهم من يقول: أصلي صلاة كذا ثم يعيد هذا ظنا منه أنه قد نقض النية والنية لا تنقض وإن لم يرض اللفظ. تلبيسه عليهم في الثياب التي يستتر بها فترى أحدهم يغسل الثوب الطاهر مرارا وربما لمسه مسلم فيغسله
ومنهم من يكبر ثم ينقض ثم يكبر ثم ينقض فإذا ركع الإمام كبر الموسوس وركع معه فليت شعري ما الذي أحضر النية حينئذ وما ذاك إلا لأن إبليس أراد أن يفوته الفضيلة [ ص: 134 ] وفي الموسوسين من يحلف بالله لا كبرت غير هذه المرة، وفيهم من يحلف بالله بالخروج من ماله أو بالطلاق وهذه كلها تلبيسات إبليس، والشريعة سمحة سهلة سليمة من هذه الآفات، وما جرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لأصحابه شيء من هذا، وقد بلغنا عن أنه دخل المسجد فوسوس إليه إبليس أنك تصلي بغير وضوء فقال ما بلغ نصحك إلى هذا. أبي حازم
وكشف هذا التلبيس أن يقال للموسوس: إن كنت تريد إحضار النية فالنية حاضرة لأنك قمت لتؤدي الفريضة وهذه هي النية ومحلها القلب لا اللفظ إن كنت تريد تصحيح اللفظ فاللفظ لا يجب ثم قد قلته صحيحا فما وجه الإعادة أفتراك تظن وقد قلت إنك ما قلت هذا مرض.
قال المصنف: وقد حكى لي بعض الأشياخ عن حكاية عجيبة أن رجلا لقيه فقال إني أغسل العضو وأقول ما غسلته، وأكبر وأقول ما كبرت، فقال له ابن عقيل: دع الصلاة فإنها ما تجب عليك، فقال قوم لابن عقيل: كيف تقول هذا؟ فقال لهم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ابن عقيل ومن يكبر ويقول ما كبرت فليس بعاقل، والمجنون لا تجب عليه الصلاة. "رفع القلم عن المجنون حتى يفيق"،
قال المصنف: واعلم أن الوسوسة في نية الصلاة سببها خبل في العقل وجهل بالشرع. ومعلوم أن من دخل عليه عالم فقام له وقال نويت أن أنتصب قائما لدخول هذا العالم لأجل علمه مقبلا عليه بوجهي: صفة في عقله فإن هذا قد تصور في ذهنه منذ رأى العالم فقيام الإنسان إلى الصلاة ليؤدي الفرض أمر يتصور في النفس في حالة واحدة لا يطول زمانه وإنما يطول زمان نظم هذه الألفاظ والألفاظ لا تلزم والوسواس جهل محض. وإن الموسوس يكلف نفسه أن يحضر في قلبه الظهرية والأدائية والفرضية في حالة واحدة مفصلة بألفاظها وهو يطالعها وذلك محال ولو كلف نفسه ذلك في القيام للعالم لتعذر عليه فمن عرف هذا عرف النية ثم إنه يجوز تقديمها على التكبير بزمان يسير ما لم يفسخها فما وجه هذا التعب في إلصاقها بالتكبير على أنه إذا حصلها ولم يفسخها فقد التصقت بالتكبير، وعن مسور قال: أخرج إلي معن بن عبد الرحمن كتابا وحلف بالله أنه خط أبيه وإذا فيه قال عبد الله: والذي لا إله غيره ما رأيت [ ص: 135 ] أحدا كان أشد على المتنطعين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا رأيت بعده أشد خوفا عليهم من ، وإني لأظن أبي بكر عمر كان أشد أهل الأرض خوفا عليهم.