قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=256لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم
nindex.php?page=treesubj&link=28973قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=256لا إكراه في الدين فيه مسألتان : الأولى : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=256لا إكراه في الدين الدين في هذه الآية المعتقد والملة بقرينة قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=256قد تبين الرشد من الغي . والإكراه الذي في الأحكام من الإيمان والبيوع والهبات وغيرها ليس هذا موضعه ، وإنما يجيء في تفسير قوله : إلا من أكره . وقرأ
أبو عبد الرحمن " قد تبين الرشد من الغي " وكذا روي عن
الحسن nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ، يقال : رشد يرشد رشدا ، ورشد يرشد رشدا : إذا بلغ ما يحب . وغوى ضده ، عن
النحاس . وحكى
ابن عطية عن
nindex.php?page=showalam&ids=12067أبي عبد الرحمن السلمي أنه قرأ " الرشاد " بالألف . وروي عن
الحسن أيضا " الرشد " بضم الراء والشين . " الغي " مصدر من غوى يغوي إذا ضل في معتقد أو رأي ، ولا يقال الغي في الضلال على الإطلاق .
الثانية : اختلف العلماء في معنى هذه الآية على ستة أقوال :
( الأول ) قيل إنها منسوخة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أكره العرب على دين الإسلام وقاتلهم ولم يرض منهم إلا بالإسلام ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16047سليمان بن موسى ، قال : نسختها
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=73يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين . وروي هذا عن
ابن مسعود وكثير من المفسرين .
( الثاني ) ليست بمنسوخة وإنما نزلت في
أهل الكتاب خاصة ، وأنهم لا يكرهون على الإسلام إذا أدوا الجزية ، والذين يكرهون أهل الأوثان فلا يقبل منهم إلا الإسلام فهم الذين نزل فيهم
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=73يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين . هذا قول
الشعبي وقتادة والحسن والضحاك . والحجة لهذا القول ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم عن أبيه قال : سمعت
عمر بن الخطاب يقول لعجوز
[ ص: 256 ] نصرانية : أسلمي أيتها العجوز تسلمي ، إن الله بعث
محمدا بالحق . قالت : أنا عجوز كبيرة والموت إلي قريب! فقال
عمر : اللهم اشهد ، وتلا
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=256لا إكراه في الدين .
( الثالث ) ما رواه
أبو داود عن
ابن عباس قال : نزلت هذه في
الأنصار ، كانت تكون المرأة مقلاتا فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده ، فلما أجليت
بنو النضير كان فيهم كثير من أبناء
الأنصار فقالوا : لا ندع أبناءنا فأنزل الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=256لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي . قال
أبو داود : والمقلات التي لا يعيش لها ولد . في رواية : إنما فعلنا ما فعلنا ونحن نرى أن دينهم أفضل مما نحن عليه ، وأما إذا جاء الله بالإسلام فنكرههم عليه فنزلت :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=256لا إكراه في الدين من شاء التحق بهم ومن شاء دخل في الإسلام . وهذا قول
سعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ومجاهد إلا أنه قال : كان سبب كونهم في
بني النضير الاسترضاع . قال
النحاس : قول
ابن عباس في هذه الآية أولى الأقوال لصحة إسناده ، وأن مثله لا يؤخذ بالرأي .
( الرابع ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : نزلت الآية في
رجل من الأنصار يقال له أبو حصين كان له ابنان ، فقدم تجار من الشام إلى المدينة يحملون الزيت ، فلما أرادوا الخروج أتاهم ابنا الحصين فدعوهما إلى النصرانية فتنصرا ومضيا معهم إلى الشام ، فأتى أبوهما رسول الله صلى الله عليه وسلم مشتكيا أمرهما ، ورغب في أن يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من يردهما فنزلت : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=256لا إكراه في الدين ولم يؤمر يومئذ بقتال أهل الكتاب ، وقال : ( أبعدهما الله هما أول من كفر ) فوجد أبو الحصين في نفسه على النبي صلى الله عليه وسلم حين لم يبعث في طلبهما فأنزل الله جل ثناؤه nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=65فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم الآية ثم إنه نسخ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=256لا إكراه في الدين فأمر بقتال
أهل الكتاب في سورة ( براءة ) . والصحيح في سبب قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=65فلا وربك لا يؤمنون حديث
الزبير مع جاره الأنصاري في السقي ، على ما يأتي في ( النساء ) بيانه إن شاء الله تعالى .
( وقيل ) معناها لا تقولوا لمن أسلم تحت السيف مجبرا مكرها ، وهو القول الخامس .
( وقول سادس ) وهو أنها وردت في
nindex.php?page=treesubj&link=24925السبي متى كانوا من
أهل الكتاب لم يجبروا إذا كانوا كبارا ، وإن كانوا
[ ص: 257 ] مجوسا صغارا أو كبارا أو وثنيين فإنهم يجبرون على الإسلام ؛ لأن من سباهم لا ينتفع بهم مع كونهم وثنيين ، ألا ترى أنه لا تؤكل ذبائحهم ولا توطأ نساؤهم ، ويدينون بأكل الميتة والنجاسات وغيرهما ، ويستقذرهم المالك لهم ويتعذر عليه الانتفاع بهم من جهة الملك فجاز له الإجبار . ونحو هذا روى
ابن القاسم عن
مالك . وأما
أشهب فإنه قال : هم على دين من سباهم ، فإذا امتنعوا أجبروا على الإسلام ، والصغار لا دين لهم فلذلك أجبروا على الدخول في دين الإسلام لئلا يذهبوا إلى دين باطل . فأما سائر أنواع الكفر متى بذلوا الجزية لم نكرههم على الإسلام سواء كانوا عربا أم عجما
قريشا أو غيرهم . وسيأتي بيان هذا وما للعلماء في الجزية ومن تقبل منه في ( براءة ) إن شاء الله تعالى .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=256فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله جزم بالشرط . والطاغوت مؤنثة من طغى يطغى . - وحكى
الطبري يطغو - إذا جاوز الحد بزيادة عليه . ووزنه فعلوت ، ومذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه أنه اسم مذكر مفرد كأنه اسم جنس يقع للقليل والكثير . ومذهب
أبي علي أنه مصدر كرهبوت وجبروت ، وهو يوصف به الواحد والجمع ، وقلبت لامه إلى موضع العين وعينه موضع اللام كجبذ وجذب ، فقلبت الواو ألفا لتحركها وتحرك ما قبلها فقيل طاغوت ، واختار هذا القول
النحاس . وقيل : أصل طاغوت في اللغة مأخوذة من الطغيان يؤدي معناه من غير اشتقاق ، كما قيل : لآل من اللؤلؤ . وقال
المبرد : هو جمع . وقال
ابن عطية : وذلك مردود . قال
الجوهري : والطاغوت الكاهن والشيطان ، وكله رأس في الضلال ، وقد يكون واحدا ، قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=60يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به . وقد يكون جمعا ، قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=257أولياؤهم الطاغوت والجمع الطواغيت . ( ويؤمن بالله ) عطف .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=256فقد استمسك بالعروة الوثقى جواب الشرط ، وجمع الوثقى الوثق مثل الفضلى والفضل ، فالوثقى فعلى من الوثاقة ، وهذه الآية تشبيه . واختلفت عبارة المفسرين في الشيء المشبه به ، فقال
مجاهد : العروة الإيمان . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : الإسلام . وقال
ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير والضحاك ، لا إله إلا الله ، وهذه عبارات ترجع إلى معنى واحد . ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=256لا انفصام لها قال مجاهد : أي لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، أي لا يزيل عنهم اسم الإيمان حتى يكفروا . والانفصام : الانكسار من غير بينونة . والقصم : كسر ببينونة ، وفي صحيح الحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=831673فيفصم عنه الوحي وإن جبينه ليتفصد عرقا أي يقلع . قال
الجوهري : فصم الشيء كسره من غير أن يبين ، تقول :
[ ص: 258 ] فصمته فانفصم ، قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=256لا انفصام لها وتفصم مثله ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15871ذو الرمة يذكر غزالا يشبهه بدملج فضة :
كأنه دملج من فضة نبه في ملعب من جواري الحي مفصوم
وإنما جعله مفصوما لتثنيه وانحنائه إذا نام . ولم يقل " مقصوم " بالقاف فيكون بائنا باثنين . وأفصم المطر : أقلع . وأفصمت عنه الحمى ولما كان الكفر بالطاغوت والإيمان بالله مما ينطق به اللسان ويعتقده القلب حسن في الصفات " سميع " من أجل النطق " عليم " من أجل المعتقد .