وقد قال قائل : إنما كان تأخيرها قضاء رمضان إلى شعبان لتشاغل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها في شعبان بالصيام ، لأنه كان يصومه كله كما :
899 - حدثنا قال : حدثنا أبو بكرة ، قال : حدثنا أبو داود ، عن [ ص: 415 ] يحيى بن كثير ، هشام بن أبي عبد الله ، عن قال : حدثتني أبي سلمة ، رضي الله عنها ، عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان " لا يصوم من السنة أكثر من صيامه في شعبان ، فإنه كان يصومه كله " .
900 - حدثنا يونس ، قال : حدثنا عن بشر بن بكر ، الأوزاعي ، قال حدثنا قال حدثني يحيى بن أبي كثير ، قال : حدثتني أبو سلمة ، رضي الله عنها ، فذكر مثله . عائشة
901 - حدثنا إبراهيم بن محمد بن يونس ، قال : حدثنا قال : حدثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود ، سفيان ، عن عن منصور ، سالم ، عن أبي سلمة ، عن قالت : " أم سلمة ، ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صام شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان " .
902 - وكما حدثنا قال : حدثني عمي أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، قال : حدثني عبد الله بن وهب ، عن فضيل بن عياض ، ليث ، عن نافع ، عن قال : ابن عمر ، " . كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يقرن شعبان برمضان
قال : تؤخر قضاء رمضان إلى شعبان ، حتى تقضيه فيه لاشتغال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها بصومه إياه ، عائشة ولعلها كانت تذهب إلى وكانت كمذهب التتابع في قضاء رمضان علي الذي رويناه عنهما . وابن عمر
فلما كانت الصلوات لا يسقط فرضها بترك قضائها في الوقت الذي ينبغي قضاؤها فيه ، كان كذلك الصيام الفائت لا يسقط فرضه بذهاب الوقت الذي ينبغي قضاؤه فيه فهذه حجة من ذهب إلى أن دخول رمضان من السنة الثانية لا يسقط به وجوب القضاء عن الذي كان عليه قضاء أيام من الشهر الماضي .
وأما الحجة على من أوجب مع القضاء الإطعام ، فإنه لما كان قضاء الصلاة بعد التفريط فيها ، لا يجب معه غيره ، كان الصيام الذي ذكرنا كذلك لا يجب عليه مع قضائه غيره ، لأن أمر الصلاة فيما ذكرنا أوكد من أمر الصيام ، فإذا سقط عن قاضي الصلاة وجوب غيرها عليه مع قضائها ، كان ذلك عن قاضي الصيام أسقط .
ولما كان الصيام نائبا في قول هؤلاء بعد مضي رمضان الثاني من الأيام التي كانت بعده ، كانت تلك الأيام التي هي من الأيام التي كانت [ ص: 416 ] بعده ، كانت تلك الأيام التي هي من الأيام التي كانت بعده (كانت تلك الأيام التي هي من الأيام التي قال الله - عز وجل - : ( فعدة من أيام أخر ) ، ولم يذكر - عز وجل - مع ذلك طعاما .
فهذه حجة توجب ما ذكرنا عن أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، في سقوط الإطعام ، عن من عليه قضاء شهر رمضان الثاني الذي قد دخل عليه ، وبعد أن كان أمكنه القضاء فيما بينهما .
فإن قال قائل : إن الصيام في هذه الآية غير الصلاة ، لأن الصيام قد يصلح بالإطعام ، والصلاة لا تصلح بغيرها .
قيل وما دليلك على أن الصيام يصلح بغيره من الإطعام ؟ فإن ذكر الكفارات التي تجب على المجامعين في شهر رمضان نهارا متعمدين لذلك ، قيل : وهل يشبه هذا ما كنا فيه ؟ إذ كانت الكفارة التي هي إطعام ستين مسكينا يجب لمكان الإفطار عن الصيام في اليوم الذي كان فيه الجماع من شهر رمضان ، والذي يجب عندك على المفرط في قضاء رمضان إلى دخول رمضان آخر عليه ، إنما يجب عليه لمكان كل يوم إطعام مسكين واحد لا غير ، وإن ذكر أنه يجب على الشيخ الذي لا يطيق الصوم في شهر رمضان إطعام مسكين عن كل يوم منه .
قيل له : هذا كما ذكرت ، وقد جعل هذا الطعام الذي ذكرت بدلا من الصيام ، لا إصلاح الصيام ، فلم نجد في الأشياء المتفق عليها شيئا يصلح به الصيام كما ذكرت ، فيعطف عليه هذا الموضع المختلف فيه ، غير أنا نظرنا إلى ما روي عن ابن عباس ، في إيجابهما وأبي هريرة وقد أمكنه صومه مع القضاء الذي أوجبناه عليه في ذلك ، فلم نره منصوصا في كتاب الله - عز وجل - ، ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا وجدناه يثبت بالقياس ، فعقلنا بذلك أنهما لم يقولاه رأيا ولا استنباطا ، وإنما قالاه توقيفا فكان القول به حسنا عندنا ، ولم نجد عن أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - سواهما إسقاط الإطعام في هذا ، فقلنا به ، وخالفنا الإطعام على من وجب عليه قضاء رمضان ، فلم يقضه حتى دخل عليه رمضان آخر ، أبا حنيفة ، وأبا يوسف ، ومحمدا ، في نفيهم وجوب الإطعام في ذلك .
وهذا الذي ذكرناه من الاختلاف الذي وصفنا ، فهو فيمن ترك قضاء رمضان ، وقد أمكنه قضاؤه حتى يدخل عليه رمضان آخر ، فأما من ترك قضاءه لعلة تبيح له ترك القضاء ، فإنه لا يجب عليه مع القضاء في ذلك إطعام ، وإنما عليه القضاء خاصة على مذهب ابن عباس ، الذي رويناه عنهما ، والله الموفق [ ص: 417 ] . وأبي هريرة ،