قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=54ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا [ ص: 381 ] nindex.php?page=treesubj&link=28989قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=54ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل يحتمل وجهين :
[ أحدهما ] ما ذكره لهم من العبر والقرون الخالية . [ الثاني ] ما أوضحه لهم من دلائل الربوبية وقد تقدم في " سبحان " ; فهو على الوجه الأول زجر ، وعلى الثاني بيان .
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=54وكان الإنسان أكثر شيء جدلا أي جدالا ومجادلة والمراد به
النضر بن الحارث وجداله في القرآن وقيل : الآية في
أبي بن خلف . وقال
الزجاج : أي الكافر أكثر شيء جدلا ; والدليل على أنه أراد الكافر قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=56ويجادل الذين كفروا بالباطل
وروى
أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يؤتى بالرجل يوم القيامة من الكفار فيقول الله له : ما صنعت فيما أرسلت إليك ؟ فيقول : رب آمنت بك وصدقت برسلك وعملت بكتابك ، فيقول الله : له هذه صحيفتك ليس فيها من ذلك ، فيقول : يا رب إني لا أقبل ما في هذه الصحيفة ، فيقال له : هذه الملائكة الحفظة يشهدون عليك ، فيقول : ولا أقبلهم يا رب وكيف أقبلهم ولا هم من عندي ولا من جهتي ، فيقول الله - تعالى - : هذا اللوح المحفوظ أم الكتاب قد شهد بذلك ، فقال : يا رب ألم تجرني من الظلم ؟ قال : بلى ، فقال : يا رب لا أقبل إلا شاهدا علي إلا من نفسي ، فيقول الله - تعالى - : الآن نبعث عليك شاهدا من نفسك ، فيتفكر من ذا الذي يشهد عليه من نفسه فيختم على فيه ثم تنطق جوارحه بالشرك ثم يخلى بينه وبين الكلام فيدخل النار وإن بعضه ليلعن بعضا يقول لأعضائه لعنكن الله فعنكن كنت أناضل فتقول أعضاؤه لعنك الله أفتعلم أن الله - تعالى - يكتم حديثا فذلك قوله - تعالى - : nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=54وكان الإنسان أكثر شيء جدلا أخرجه
مسلم بمعناه من حديث
أنس أيضا . وفي صحيح
مسلم عن
علي nindex.php?page=hadith&LINKID=835619أن النبي - صلي الله عليه وسلم - طرقه وفاطمة فقال : ألا تصلون ؟ فقلت : يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا ; فانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قلت له ذلك ، ثم سمعته وهو مدبر يضرب فخذه ويقول : nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=54وكان الإنسان أكثر شيء جدلا
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=55وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى أي القرآن والإسلام
ومحمد - عليه الصلاة والسلام -
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=55ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أي سنتنا في إهلاكهم أي ما منعهم عن الإيمان إلا حكمي عليهم بذلك ; ولو حكمت عليهم بالإيمان آمنوا . وسنة
[ ص: 382 ] الأولين عادة الأولين في عذاب الاستئصال . وقيل : المعنى وما منع الناس أن يؤمنوا إلا طلب أن تأتيهم سنة الأولين فحذف . وسنة الأولين معاينة العذاب ، فطلب المشركون ذلك ، وقالوا
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=32اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك الآية .
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=55أو يأتيهم العذاب قبلا نصب على الحال ، ومعناه عيانا قاله
ابن عباس . وقال
الكلبي : هو السيف يوم
بدر . وقال
مقاتل : فجأة وقرأ
أبو جعفر وعاصم nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش وحمزة ويحيى nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي قبلا بضمتين أرادوا به أصناف العذاب كله ، جمع قبيل نحو سبيل وسبل .
النحاس : ومذهب
الفراء أن قبلا جمع قبيل أي متفرقا يتلو بعضه بعضا . ويجوز عنده أن يكون المعنى عيانا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13724الأعرج : وكانت قراءته قبلا معناه جميعا وقال
أبو عمرو : وكانت قراءته قبلا ومعناه عيانا .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=56وما نرسل المرسلين إلا مبشرين أي بالجنة لمن آمن .
ومنذرين أي مخوفين بالعذاب من الكفر . وقد تقدم .
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=56ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق قيل : نزلت في المقتسمين كانوا يجادلون في الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيقولون : ساحر ومجنون وشاعر وكاهن كما تقدم . ومعنى يدحضوا يزيلوا ويبطلوا وأصل الدحض الزلق يقال : دحضت رجله أي زلقت ، تدحض دحضا ودحضت الشمس عن كبد السماء زالت ودحضت حجته دحوضا بطلت ، وأدحضها الله والإدحاض الإزلاق . وفي وصف الصراط :
ويضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة فيقولون اللهم سلم سلم قيل : يا رسول الله وما الجسر ؟ قال : دحض مزلقة أي تزلق فيه القدم قال
طرفة :
أبا منذر رمت الوفاء فهبته وحدت كما حاد البعير عن الدحض
واتخذوا آياتي يعني القرآن .
وما أنذروا من الوعيد . هزوا و " ما " بمعنى المصدر أي والإنذار وقيل : بمعنى الذي ; أي اتخذوا القرآن والذي أنذروا به من الوعيد هزوا أي لعبا وباطلا .
; وقد تقدم في " البقرة " بيانه . وقيل : هو قول
أبي جهل في الزبد والتمر هذا هو الزقوم وقيل : هو قولهم في القرآن هو سحر وأضغاث أحلام وأساطير الأولين ، وقالوا
[ ص: 383 ] للرسول :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=3هل هذا إلا بشر مثلكم nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=31وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم و
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26ماذا أراد الله بهذا مثلا .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=57ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها أي لا أحد أظلم لنفسه ممن وعظ بآيات ربه ، فتهاون بها وأعرض عن قبولها .
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=57ونسي ما قدمت يداه أي ترك كفره ومعاصيه فلم يتب منها ، فالنسيان هنا بمعنى الترك . وقيل : المعنى نسي ما قدم لنفسه وحصل من العذاب ; والمعنى متقارب .
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=57إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا بسبب كفرهم ; أي نحن منعنا الإيمان من أن يدخل قلوبهم وأسماعهم .
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=57وإن تدعهم إلى الهدى أي إلى الإيمان .
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=57فلن يهتدوا إذا أبدا نزل في قوم معينين ، وهو يرد على
القدرية قولهم ; وقد تقدم معنى هذه الآية في سبحان وغيرها .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=58وربك الغفور ذو الرحمة أي للذنوب . وهذا يختص به أهل الإيمان دون الكفرة بدليل قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48إن الله لا يغفر أن يشرك به .
ذو الرحمة فيه أربع تأويلات :
[ أحدها ] ذو العفو . [ الثاني ] ذو الثواب ; وهو على هذين الوجهين مختص بأهل الإيمان دون الكفر . [ الثالث ] ذو النعمة . [ الرابع ] ذو الهدى ; وهو على هذين الوجهين يعم أهل الإيمان والكفر ، لأنه ينعم في الدنيا على الكافر ، كإنعامه على المؤمن . وقد أوضح هداه للكافر كما أوضحه للمؤمن وإن اهتدى به المؤمن دون الكافر .
ومعنى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=58لو يؤاخذهم بما كسبوا أي من الكفر والمعاصي .
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=58لعجل لهم العذاب ولكنه يمهل .
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=58بل لهم موعد أي أجل مقدر يؤخرون إليه ، نظيره
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=67لكل نبإ مستقر ،
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=38لكل أجل كتاب أي إذا حل لم يتأخر عنهم إما في الدنيا وإما في الآخرة .
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=58لن يجدوا من دونه موئلا أي ملجأ ; قاله
ابن عباس وابن زيد ، وحكاه
الجوهري في الصحاح . وقد وأل يئل وألا ووءولا على فعول أي لجأ ; وواءل منه على فاعل أي طلب النجاة . وقال
مجاهد : محرزا .
قتادة : وليا .
وأبو عبيدة : منجى . وقيل : محيصا ; والمعنى واحد والعرب تقول : لا وألت نفسه أي لا نجت ; ومنه قول الشاعر :
لا وألت نفسك خليتها للعامريين ولم تكلم
[ ص: 384 ] وقال
الأعشى :
وقد أخالس رب البيت غفلته وقد يحاذر مني ثم ما يئل
أي ما ينجو .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=59وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا تلك في موضع رفع بالابتداء . القرى نعت أو بدل . وأهلكناهم في موضع الخبر محمول على المعنى ; لأن المعني أهل القرى . ويجوز أن تكون تلك في موضع نصب على قول من قال : زيدا ضربته ; أي وتلك القرى التي قصصنا عليك نبأهم ، نحو قرى
عاد وثمود ومدين وقوم
لوط أهلكناهم لما ظلموا وكفروا .
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=59وجعلنا لمهلكهم موعدا أي وقتا معلوما لم تعده و " مهلك " من أهلكوا . وقرأ
عاصم مهلكهم بفتح الميم واللام وهو مصدر هلك . وأجاز
الكسائي والفراء لمهلكهم بكسر اللام وفتح الميم .
النحاس : قال
الكسائي وهو أحب إلي لأنه من هلك .
الزجاج : اسم للزمان والتقدير : لوقت مهلكهم ، كما يقال : أتت الناقة على مضربها .