السؤال
عمري 18 عاماً، منذ فترة تعرّفت على فتاة تصغرني بعامين، فوجدت فيها الدين، والأخلاق، والجمال، والذكاء، والطيبة. تحدثنا لمدة عشرين يومًا دون تجاوز للحدود الشرعية، ثم شعرنا بعدم صواب ما فعلنا، فاتفقنا على ألا نتواصل مجددًا حتى لا نخسر الحلال بسبب الحرام.
أوضحتُ لها أنني أرغب في الزواج منها، وأني أحببتها، وهي كذلك أُعجبت بي لما قدمتُه لها من مساعدة وستر، إذ كانت تواجه مشكلة فساعدتها ووقفت إلى جانبها.
غير أن المشكلة تكمن في أنها من محافظة أخرى تبعد عني نحو ثمانين كيلومترًا، وفي تلك المحافظة، تتزوج الفتيات في سن مبكرة، أحيانًا في الخامسة عشرة أو بعدها بقليل. وقد وجدتُ فيها كل المواصفات التي أبحث عنها في زوجتي المستقبلية، ولا أريد أن أفقدها، لكنني ما زلت طالبًا أواصل دراستي، وليس لديَّ مصدر دخل أو مال في الوقت الحالي، كما أن والدي لا يستطيع مساعدتي. لذا؛ ينبغي عليَّ الصبر، على الأقل عشر سنوات، حتى أتمكن من الزواج.
فهل يجوز لي أن أتحدث مع والدها وأخطبها لفترة طويلة، كأن أتقدم لها بعد عامين، ثم تستمر الخطبة لخمس سنوات مثلًا، مع الالتزام بالضوابط الشرعية؟ وهل يجوز أن أكتب عقد الزواج مباشرة بدلًا من الخطبة، على أن نؤجل الدخول إلى يوم الزفاف؟ ولكن في هذه الحالة، ستكون زوجتي ونفقتها واجبة عليَّ، بينما سأكون في مرحلة الاستعداد، ولن أتمكن من الإنفاق عليها.
وهل يجوز أن أكلم والدها فقط، وأخبره بنيتي في الزواج من ابنته، طالبًا منه أن يؤجل زواجها حتى أتمكن من التقدم رسميًّا ومن ثم الزواج بها؟
أرجو منكم إفادتي في أمري، جزاكم الله خيرًا. فأنا لا أريد أن أفقدها، وأدعو الله يوميًّا أن يجعل فيها الخير لي، وأن يكتبها من نصيبي. وقد اتفقنا، قبل أن نتوقف عن الحديث، على أن نصلي كل ليلة ركعتين بنية التوبة قبل النوم، تكفيرًا عما بدر منا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرًا على ما قمت به من ترك التواصل مع هذه الفتاة، وحرصك على الزواج من فتاة ديِّنَة خيِّرة، ونسأله -عزَّ وجلَّ- أن يرزقك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى.
ولا شك في أن الزواج من أفضل ما يرشد إليه المتحابان، كما جاء في الحديث الذي رواه ابن ماجه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لم يُرَ للمتحابين مثلُ النكاحِ. فالمبادرة إليه مطلوبة ما أمكن، ففيه كثير من مصالح الدنيا والآخرة.
ثم إنه لا يخفى عليك أن القدرة المالية في الزواج مطلوبة شرعًا؛ إذ تترتب عليه حقوق للمرأة كالمهر، والنفقة، ولذلك ذكر بعض أهل العلم استحباب تركه لمن لا يستطيع مؤونته، مستدلين بآية سورة النور.
قال الشربيني في مغني المحتاج: هو مستحب، لمحتاج إليه، بأن تتوق نفسه إلى الوطء.... يجد أُهْبَتَهُ، وهي مؤنة من مهر، وكسوة..... فإن فقدها، أي عدم الأهبة، استحب له تركه؛ لقوله تعالى {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله}. انتهى.
وكلامك مع والد هذه الفتاة برغبتك في الزواج منها لتبقى بلا زواج حتى يتيسر أمرك، ابتداء لا حرج فيه، وكذا أمر خطبتها أو العقد عليها من غير دخول، ولكن لا ننصحك بالمصير إلى أي من ذلك ما دام حالك على ما ذكرت من عدم جاهزيتك الآن، بل ولا في المنظور القريب حسب المعتاد؛ لأنك لا تزال طالبًا، ولن يساعدك والدك في أمر الزواج في الوقت الحالي -كما ذكرت- فقد لا يوافق والدها على أيٍّ من هذه الخيارات، فتجد نفسك في حرج، وقد يوافق، ولكن مع طول المدة إلى حين إكمال الزواج قد يستجد ما يقتضي عدم رغبة أي منكما في الآخر، فيكون الحرج من هذه الجهة أيضًا.
ولذلك ننصحك بأن تشغل نفسك بدراستك، وتصبر، وتحرص على كل ما يعينك على العفاف من الصوم وغيره، حتى ييسر الله لك الزواج من هذه الفتاة، أو من غيرها.
ففي حديث الصحيحين عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء.
وننبه إلى أن من عقد على امرأة عقدًا شرعيًا لا تلزمه نفقتها إلا بعد تسليم نفسها، وتمكين الزوج منها؛ لأن نفقة الزوجة على زوجها لا تجب بمجرد العقد، بل بتمكينه من الاستمتاع، فما دامت في بيت أبيها، ولم يتمكن زوجها من الاستمتاع بها، فإنه لا نفقة لها عليه.
قال ابن قدامة في المغني: وجملة الأمر أن المرأة إذا سَلَّمَتْ نفسها إلى الزوج، على الوجه الواجب عليها، فلها عليه جميع حاجتها؛ من مأكول، ومشروب، وملبوس، ومسكن. انتهى.
والله أعلم.