الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

ما حكم أن أقول: بأمانة الله يعني تعتبر كقسم عندنا، فهل هذا يجوز أم لا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمن المعلوم أن الحلف إنما يكون بأسماء الله -تعالى- وبصفاته، ففي الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: مَنْ كَانَ حَالِفًا، فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ، أَوْ لِيَصْمُتْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وفي لفظ: أَلاَ مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلاَ يَحْلِفْ إِلَّا بِاللَّهِ. والأمانة إذا أضيفت إلى اسم الله -تعالى- فقد يراد بها صفة الله -تعالى- أي: أَنَّهُ -تعالى- ذُو أَمَانَةٍ، فتكون يمينا جائزة منعقدة، وقد يراد بها ما ليس بصفة من صفاته، فلا تنعقد بها اليمين، ولا يجوز الحلف بها، ولهذا اشترط بعض الأئمة لانعقاد اليمين بهذا اللفظ نيةّ إرادة الصفة؛ لأنه لفظ محتمل لمعنيين، لا ينصرف لأحدهما، إلا بالنية، أو القرينة الصارفة له عن المعنى الآخر.

قال ابن قدامة في المغني: أو بأمانة الله) قال القاضي: لا يختلف المذهب في أن الحلف بأمانة الله يمين مكفرة. وبهذا قال أبو حنيفة. وقال الشافعي: لا تنعقد اليمين بها، إلا أن ينوي الحلف بصفة الله -تعالى-؛ لأن الأمانة تطلق على الفرائض والودائع والحقوق، قال الله -تعالى-: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ} [الأحزاب: 72] . وقال -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] . يعني الودائع والحقوق. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» . وإذا كان اللفظ محتملا، لم يصرف إلى أحد محتملاته إلا بنيته، أو دليل صارف إليه. ولنا، أن أمانة الله صفة له، بدليل وجوب الكفارة على من حلف بها إذا نوى، ويجب حملها على ذلك عند الإطلاق، لوجوه:
أحدها، أن حملها على غير ذلك صرف ليمين المسلم إلى المعصية، أو المكروه؛ لكونه قسما بمخلوق، والظاهر من حال المسلم خلافه.
والثاني، أن القسم في العادة يكون بالمعظم المحترم دون غيره، وصفة الله -تعالى- أعظم حرمة وقدرا.
والثالث، أن ما ذكروه من الفرائض، والودائع لم يعهد القسم بها، ولا يستحسن ذلك لو صرح به، فكذلك لا يقسم بما هو عبارة عنه.
الرابع، أن أمانة الله المضافة إليه، هي صفته، وغيرها يذكر غير مضاف إليه، كما ذكر في الآيات والخبر.
الخامس، أن اللفظ عام في كل أمانة الله؛ لأن اسم الجنس إذا أضيف إلى معرفة، أفاد الاستغراق، فيدخل فيه أمانة الله التي هي صفته، فتنعقد اليمين بها موجبة للكفارة، كما لو نواها
. اهــ.

وفي الحاوي للماوردي الشافعي: فإن قيل: معنى أمانة الله أنه ذو أمانة، وذلك من صفات ذاته. قيل: يحتمل أنه يريد بأمانة الله أنه ذو أمانة، فيكون من صفات ذاته، ويحتمل أن يريد بها فروض الله، فتكون من صفات أفعاله، فلم تنعقد به اليمين مع احتمال الأمرين إلا أن يريد بها اليمين. اهــ.

وعلى هذا فإن أراد الحالف بقوله " أمانة الله" أي صفته فيمينه جائزة منعقدة بالاتفاق، وإن أراد المخلوق، كالودائع مثلا، فيمينه غير جائزة، وغير منعقدة بالاتفاق، وإن أطلق ولم ينو شيئا، فيمينه مختلف في انعقادها، فعند الشافعية غير منعقدة؛ لأنه لم ينو صفة الله، وعند الحنابلة منعقدة؛ لأنها محمولة أصلا على اليمين.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني