السؤال
دائما يراودني سؤال، وهو: ما الهدف من خلق البشر؟ وأرجو أن لا تقولوا لي: العبادة والتعمير، فأنا أعلم أنهما فعلًا الهدف المنشود، ولكني عندما أتأمل الحياة، والبشر، والقتل، والفساد الذي انتشر في كل مكان.. أتساءل لماذا هذا كله؟ وكان الله عز وجل في غنى عنه... والله عز وجل كان يعلم طريق كل إنسان التي سيسلك، وسوف تقولون لي: إن الإنسان لا يعلم، وهو مخير، لكن المولى عز وجل يعلم، فما الهدف من أنه يعلم ونحن البشر نعاني في هذه الحياة بما نبتلى به من محن، وأمراض، ورغم كل النعم التي أنعم علينا بها الله الكريم ـ وأقر بهاـ.
من فضلكم أريد إجابات مقنعة، وليست تقليدية، فأريد أن أصل إلى اليقين التام الذي يريح قلبي، ويزيل عني كل شك؛ لأنني كلما أسأل يقولون لي: ليس وراءك شيء مثلًا، أو هذه الأسئلة سنعرفها فيما بعد يوم القيامة، أو في الوقت المناسب، أو لا يصح أن تسألها.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب سؤالك الفتاوى التالية أرقامها: 176801، 113166، 134162.
وهنا ننبه على أننا أمة وسط، فمن جهة لا يحجر علينا ديننا أن نتفقه، ونسأل عما يشكل علينا، ويجعل ذلك مطلبًا شرعيًا، كما قال تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {النحل: 43}.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال. رواه أبو داود، وابن ماجه، وأحمد، وصححه الألباني.
ولكنه من جهة أخرى ينبهنا على أن عقولنا قاصرة، وأننا لم نؤت من العلم إلا قليلًا، وأن الإنسان بطبعه ظلوم جهول عجول، وحري بمن هذه صفاته أن يقف بنفسه عند حدها، ويوقن أن عقله مهما أوتي من قوة، وإدراك فهو محدود للغاية، فهو يجهل كثيرًا من أسرار نفسه، فضلًا عن الخلق والكون من حوله، قال تعالى: وما أوتيتم من العلم إلا قليلا {الإسراء: 85}، وقال: والله يعلم وأنتم لا تعلمون {البقرة: 216}.
فكيف يستطيع هذا الإنسان أن يحيط بحكمة الله في قضائه وقدره، وخلقه وأمره، ومَن هذه حاله، وتلك قدرته وطاقته، ينبغي أن يسلم لشرع الله العليم، ويذعن لأمره الحكيم، ويقبل ما ثبت بالوحي المعصوم، ويطوع عقله لدلالته وتوجيهه، فالله تعالى يخلق ما يشاء ويختار، ويحكم لا معقب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل، كما قال سبحانه: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون {الأنبياء:23}.
قال السعدي: لعظمته وعزته، وكمال قدرته، لا يقدر أحد أن يمانعه، أو يعارضه، لا بقول ولا بفعل، ولكمال حكمته ووضعه الأشياء مواضعها، وإتقانها، أحسن كل شيء يقدره العقل، فلا يتوجه إليه سؤال؛ لأن خلقه ليس فيه خلل ولا إخلال. اهـ.
وقال جل وعلا: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ {الرعد: 41}.
قال السعدي: يدخل في هذا حكمه الشرعي، والقدري، والجزائي، فهذه الأحكام التي يحكم الله فيها، توجد في غاية الحكمة والإتقان، لا خلل فيها، ولا نقص، بل هي مبنية على القسط، والعدل، والحمد، فلا يتعقبها أحد، ولا سبيل إلى القدح فيها، بخلاف حكم غيره، فإنه قد يوافق الصواب، وقد لا يوافقه. اهـ.
والله أعلم.