السؤال
بسم الله الرحمن الرحيمأود أن أستفسر عن شيء من فضيلتكم ألا وهو أنني بفضل الله تمكنت من حج بيت الله الحرام هذا العام ولكن لم أبت في مني ليلتي الحادي عشر والثاني عشر كاملتين فقد نمت في منى في ليلة الحادي عشر من الساعة الثالثة صباحا حتى الفجر وظللت بها حتى بعد الظهر، علماً بأن تأخري هذه الليلة كان بعذر حيث كنت أطوف وأسعى بالبيت الحرام وعدت متأخراً، أما في ليلة الثاني عشر فوصلت منى الساعة الثانية عشر ليلاً وظللت بها حتي الرابعة صباحا ثم ذهبت إلى السكن بالعزيزية، فهل علي من هدي، أم أن مبيتي صحيح، وإن كان علي هدي فماذا أفعل الآن علما بأنني رجعت إلى محل إقامتي في الدمام؟ وجزاكم الله خير الجزاء.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالعلماء مختلفون في حكم المبيت بمنى ليالي أيام التشريق، والراجح وجوبه لأن الرخصة للعباس ولأهل الرعي والسقاية في تركه دليل على أنه عزيمة في حق غيرهم، وفي القدر المجزئ من المبيت خلاف أيضاً.
قال النووي في شرح المهذب: والأكمل أن يبيت بها كل الليل، وفي قدر الواجب قولان حكاهما صاحب التقريب والشيخ أبو محمد الجويني وإمام الحرمين ومتابعوه أصحهما: معظم الليل، والثاني: المعتبر أن يكون حاضراً بها عند طلوع الفجر الثاني. انتهى.
وعلى كلا التقديرين فقد فاتك المبيت إما ليلة إذا قلنا المعتبر هو الكون بمنى عند الفجر الصادق، وإما ليلتين إذا قلنا بالأصح وهو أن المعتبر معظم الليل، وليس تأخرك لأجل الطواف والسعي بعذرٍ، لأن الطواف والسعي ليس لهما وقت يفوتان بفواته بل كان يمكنك تأخيرهما وتدارك المبيت الذي هو واجب الوقت، ويرى بعض أهل العلم أن الاشتغال بالطواف والسعي عذر في ترك المبيت بمنى أو التأخر عنه لأنه أمر خارج عن إرادة المكلف ولأنه مشتغل بركن من أركان الحج فهو أولى بالعذر من الراعاة الذين رخص لهم في ترك المبيت لمصلحة أنفسهم وهذا القول قوي جداً..
إذا تبين هذا ففي الذي يلزمك خلاف أيضاً، قال النووي في شرح المهذب: وإن ترك إحدى الليالي الثلاث فثلاثة أقوال مشهورة ذكرها المصنف والأصحاب كالأقوال في ترك حصاة، وفي حلق شعرة أصحهما: في الليلة مد والثاني: درهم، والثالث: ثلث دم. وإن ترك ليلتين فعلى الأصح يجب مدان وعلى الثاني درهمان وعلى الثالث ثلثا دم. انتهى.
وأما عند الإمام أحمد فالذي يلزمك هو الصدقة بشيء، قال ابن قدامة في المغني: فإن ترك المبيت بمنى فعن أحمد: لا شيء عليه وقد أساء وهو قول أصحاب الرأي. وعنه: يطعم شيئاً. وخففه ثم قال: قد قال بعضهم: ليس عليه، وقال إبراهيم: عليه دم. وضحك، ثم قال: دم بمرة، شددتموه! قلت: ليس إلا أن يطعم شيئاً؟ قال: نعم يطعم شيئاً: تمراً أو نحوه. فعلى هذا أي شيء تصدق به أجزأه، ولا فرق بين ليلة وأكثر، لأنه لا تقدير فيه. وعنه: في الليالي الثلاث دم. انتهى.
وعند مالك أن في ترك مبيت الليلة الواحدة دماً كما نقله عنه ابن حزم في المحلى، وبهذا تعلم أن الواجب عليك الصدقة بشيء من الطعام غير مقدر وهذا هو المنصوص عن أحمد أو الصدقة بمد من طعام وهذا هو الأصح عند الشافعية بناءاً على أنك تركت المبيت ليلة واحدة لأنك في الأخرى كنت معذوراً بالاشتغال بالطواف والسعي فيلزمك على الأصح عند الشافعية الصدقة بمد واحد، وإن أردت الاحتياط فيمكنك أن توكل من يذبح عنك دماً في مكة ويوزعه على فقراء الحرم، وانظر الفتوى رقم: 29754.
والله أعلم.