الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنشكرك أولا على الصراحة، ونسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياك اليقين والثبات على دين الإسلام، فهو الدين الحق المنزل من رب العالمين لا شك في ذلك ولا ريب ، والأدلة على ذلك أوضح من الشمس في رابعة النهار، وقد ذكرنا جملة من هذه الأدلة بالفتاوى: 54711، 19694، 74500، 71026.
ونحسب أنك لست في حاجة إلى هذه الأدلة، لأن أصل الفطرة في كون الإسلام هو الدين الحق مركوز فيك ، ولكنك أوتيت من جهتين:
الأولى: ما ذكرت من كونك نشأت على دين الإسلام بالوراثة ولم تحرص على تعلم العلم من منبعه الصحيح المتمثل في الكتاب والسنة. فكان من ذلك ران غطى على تلك الفطرة.
الثانية: واقع المسلمين بوجود بعض الممارسات التي يفعلها بعضهم وينسبها إلى الإسلام، وكذا تخلف المسلمين في مجال التقدم المادي.
ومن هنا فينبغي أن تتهم نفسك أولا لا أن تتهم الإسلام، وأن تتهم من ينتمي إلى الإسلام لا أن تتهم الإسلام ، فإن الإسلام قد دعا إلى العلم، وعظم من شأن العلماء ، وهذا شامل للعلم الشرعي والعلم الذي يتعلق بحياة الناس كعلوم الطب والهندسة والاقتصاد وغيرها من العلوم، ويوم أن كانت الأمة متمسكة بدينها كانت لها السيادة والريادة في هذه المجالات، وسل التاريخ يخبرك كيف أن أوروبا في تلك العصور كانت في ظلمات الجهل والتخلف، وكيف أن ما وجد فيها من تقدم مادي مصدره المسلمون. ولم تكن النصرانية المنتشرة فيها السبب في ذلك، بل على العكس من ذلك فإن التاريخ يذكر كيف أن الكنيسة ناصبت العلماء العداء، وما حدث لجاليلو مكتشف المنظار الفلكي وإحراق الكنيسة له ليس عنا ببعيد ، فتبين بهذا أنه ليس دين الإسلام سبب تخلف المسلمين، ولا أن دين النصرانية سبب تقدم الغرب ، ومما يدل على ذلك أيضا أن من الأمم الكافرة أمما متقدمة ماديا وهي ليست على دين النصرانية. ونرجو مطالعة الفتاوى: 60242 ، 38339، 32754.
وإذا أبحت لنفسك أن تؤاخذ الإسلام بفعل أتباعه فلم لا تؤاخذ النصرانية بفعل أتباعها؟
فهل جاءت الحروب الصليبية والتي كان على رأسها بعض القساوسة بالرحمة والتسامح والسلام أم جاءت بالقتل وسفك دماء المسلمين!
هذا مما لا يخفى على أحد يقرأ التاريخ. ولا يعرف دين جاء بالسلام والتسامح كدين الإسلام ، وما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل مكة الذين ناصبوه العداء وأخرجوه من داره خير دليل على ذلك ، فقد عفا عنهم بعد أن أقدره الله عليهم ، فقال لهم : اذهبوا فأنتم الطلقاء.
ومن هنا يتبين أنه ليس هدف الجهاد في الإسلام قتل الأنفس، وإنما نشر الدعوة والخير، ولذلك لا يبدأ الجهاد إلا بعد الدعوة، ولا يقاتل إلا من وقف في طريق الدعوة، وينهى الإسلام عن قتل غير المقاتلين فلا تقتل النساء ولا الذرية ولا الشيخ الكبير ولا الرهبان في معابدهم إلى غير ذلك من ضوابط تبين عظمة هذا التشريع ومحاسنه وأنه من رب العالمين. وإذا مارس بعض المسلمين الجهاد من غير مراعاة لضوابطه فهم المخطئون ، ولا يجوز أن يحمل خطؤهم للإسلام. وراجع الفتويين: 98595 ،23053.
بقي أن ننبه إلى أن الله تعالى قد نسخ جميع الشرائع السابقة بدين الإسلام، فلا يقبل من أحد دينا سواه، هذا بالإضافة إلى أن دين النصرانية الموجود الآن دين محرف وفيه كثير من الأباطيل ، وقد سبق أن نبهنا على بعضها بالفتاوى: 8210 ، 10326 ، 43148.
ولا ندري كيف حكمت على 99% من أحاديث السنة النبوية بأنها مكذوبة وأن 1 % فقط منها ثابت وصحيح، فعلى أي أسس علمية كان منك هذا الحكم، فلو كان عندك علم بالطرق التي اتبعها أهل العلم في تمحيص السنة وتمييز الضعيف منها عن الصحيح لما تجرأت على مثل هذا الحكم.
فالواجب عليك التوبة فإن هذا من القول على الله بغير علم ، قال تعالى: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً. { الإسراء: 36}
وعلى كل حال فاعلم أن ما ذكرته في هذا السؤال يعتبر ردة مخرجه من الملة والعياذ بالله. و الردة شأنها خطير، وراجع فيها الفتوى رقم: 38738.
وإذا ارتددت عن دين الإسلام فضرر ذلك واقع عليك، لا على الإسلام والمسلمين، قال تعالى: مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ء { الإسراء: 15}.
وقال تعالى: وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ { البقرة: 217 }.
والله أعلم.