السؤال
في البداية أنا أعجبني هذا الموقع ورائع جداً ومن أفضل المواقع وأسأل الله العزيز القدير أن يجزيكم خير جزاء على هذا العمل الصالح .أنا أعرف أن موضوعي قد سبب لكم صدمة لكن أحب أعلمكم ما حصل لي وجعلني أقول هذا الكلام أنا طالب جامعي و لدي شقة وقد اشترى أخي لي دش أوروبي وفجأة عندما كنت أتفرج في قنوات منها قذرة لأكون صريحا كلها قذرة المهم أدهشني قناة مسيحية تهاجم الإسلام بكل الطرق .وبدأت أنا أتابع هذه القناة بشكل يومي وبدأت أخاف وأشك في ديني لقد أظهروا الكثير من الفظائع المخيفة حتى إني أبكي كل ليلة قبل أن أنام أخاف أن يكون القرآن من تنزيل الشيطان وأنا لا أريد أن أدخل نار جهنم لا أريد وقد أظهروا الكثير من الأشياء التي هدمت حياتي وجعلتني خائفا من يوم عمري 22 حتى الآن والله وأنا خائف ومن ضمنها سورة البقرة آية 194 ( الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين ) ! هل يعني من اعتدى بالزنا أو اللواط يعتدى بمثل ما اعتدى ؟ وهل الله يقول في نفسه سورة التحريم آية 5 ( عسى ربه إن طلقكن ..... ) وغيرها مثل ربهم الله يقول لنفسه هكذا أم شخص يقول هذا عن الله ؟ وهل كارثة تسونامي وزلزال باكستان هل هي حب من الله للمسلمين أم كره ؟أنا والله أفكر في أن أصبح نصرانيا والله وأنا خائف لأني أخاف أن أضل طريقي وأنا لا أريد أريد أن أربح الآخرة وهذا هدفي ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فكثيراً ما نبه أهل العلم على خطورة مشاهدة القنوات الفضائية دون روية وتمحيص ، والحال الذي أنت فيه نتيجة للتفريط والتساهل في هذا الأمر ، فالواجب الحذر والتخلص من هذه الوسيلة والتوبة إلى الله تعالى مما سبق قال تعالى : وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور: 31 }
واعلم أن الواجب على المسلم أن يكون على يقين من كون القرآن حقاً وأنه كلام رب العالمين قطعاً ، أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم حقاً ، ولا يجوز أن تكون الشبهات التي ترد إليه من أي جهة كانت باعثاً له على الشك في إيمانه ، فإن هذا من الخطورة بمكان ، وباعث على الردة والعياذ بالله ، وراجع الفتوى رقم : 56097 ، وإذا لم يكن لك علم ترد به هذه الشبهات ففوض العلم إلى الله تعالى ، وقل كما قال الله سبحانه عن الراسخين في العلم : وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ {آل عمران: 7 }
وأما إذا كانت هذه الخواطر مجرد وساوس لم تستقر في القلب ، وتقوم بمدافعتها فإنها لن تضرك بإذن الله ، بل إن مدافعة الوساوس دليل صدق إيمان صاحبها ، وراجع الفتوى رقم : 7950 ، وأما بخصوص ما أوردت هذه القناة من شبهات فيدخل ضمن القديم المتجدد من قبل أعداء الإسلام للطعن فيه والتشكيك في أصوله ومبادئه ، وهي محاولات يائسة قال تعالى : وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {البقرة: 217 } ثم إن جواب هذه الشبهات في النقاط التالية :
النقطة الأولى : أن المعاقبة بالمثل حال الاعتداء قد وضع أهل العلم لها ضوابط ، ومنها أن المحرم لا يحل الاقتصاص فيه بالمثل ، وراجع في هذا الفتوى رقم : 23483 ، والفتوى رقم : 46548 .
النقطة الثانية : أن القرآن قد أنزل بلغة العرب ، ولهم أساليب في بلاغة الكلام يقصدون منه معاني حسنة ، ومن ذلك تطريب أذن السامع ، وشد انتباهه للتأثر بالكلام ، ومن هذه الأساليب التنويع في الخطاب بين استعمال ضمير المتكلم أو ضمير الغائب أو ضمير المخاطب واستخدام أحدهما مكان الآخر ، والانتقال من أحدهما إلى الآخر في السياق الواحد كما في قوله تعالى : الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً وهذا كله بضمير الغيبة ، ثم قال بعده : فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى {طه: 53 }
ويبحث أهل العلم في الأسرار البلاغية في هذا التنوع في الخطاب ، فقد يدركون هذه الأسرار أو جزءاً منها ، ويعجزون عن إدراك بعضها ، ويبقى أن القرآن هو كلام الله المعجز الذي تحدى به العرب الفصحاء فعجزوا عن أن يأتوا بمثله .
وفي الآية المذكورة وهي قوله سبحانه : عَسَى رَبُّهُ {التحريم: 5 } ونحوها من الآيات التي يخبر فيها الله تعالى عن نفسه بأسلوب الغائب قد يكون المقصود التعظيم ، وهذا موجود في لغة العرب ، قال الطاهر ابن عاشور في تفسيره ( التحرير والتنوير ) عند قوله الله سبحانه : وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ {الزخرف: 77 } قال رحمه الله: وتوجيه الأمر إلى الغائب لا يكون إلا على معنى التبليغ كما هنا ، أو تنزيل الحاضر منزلة الغائب لاعتبار ما مثل التعظيم في نحو قول الوزير للخليفة : لير الخليفة رأيه. اهـ وقد يكون ذلك لمعنى آخر غير ما ذكرنا ، والله أعلم .
النقطة الثالثة : أن الزلازل وغيرها من المصائب التي قد ينزلها الله على عباده ، قد تكون بلاء عليهم بسبب فسادهم كما قال تعالى : وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشورى: 30 } فقد يعذب الكافر لكفره ، ويعذب المسلم لفسقه ومخالفته أمر ربه ، فيبغض منه هذا الفعل ويعاقبه عليه ، بل وقد ينزل العذاب فيعم الصالح والطالح عند كثرة الفساد ، وراجع الفتوى رقم : 43939 ، ثم إن ما يصيب الكفار من زلازل وكوارث أعظم بكثير مما يصيب المسلمين ، وما إعصار كاترينا عن الناس ببعيد ، فماذا يقول أصحاب هذه القناة وغيرها من أبواق الكفر والضلال عن هذه الأعاصير وأمثالها والتي فيها مصداق قول الله تعالى : وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ {الرعد: 31 } أما كان الأولى بأصحاب هذه القناة أن يلتفتوا إلى ما في أناجيلهم من تناقضات دالة على بطلان ما عليه النصارى من معتقدات ، فإذا أعملوا عقولهم ووقفوا مع نفوسهم وقفة تجرد لعلموا أنهم لا يملكون حجة صحيحة يثبتون بها مبادئهم فضلاً عن إبطال مبادئ غيرهم ، وراجع في بيان تحريف الإنجيل وأباطيل النصرانية الفتاوى بالأرقام : 10326 ، 8210 ، 2105 ، وإننا لا نجد مثلاً لهؤلاء في محاولة نيلهم من الإسلام إلا كما يقول القائل :
كناطح صخرة يوماً ليوهنها * فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
وفي الختام نوصيك بأن تتقي الله تعالى وتحرص على دينك ، وأن تحذر ما قد يفسده عليك من مشاهدة أمثال هذه القنوات وغيرها ، وينبغي أن تحرص على العيش في بيئة صالحة تجالس فيها أهل العلم وتصاحب فيها الأخيار ، وأن تجتنب العيش في بيئة فاسدة تجالس فيها أهل الجهل والغفلة وتصاحب فيها الأشرار ، حفظ الله تعالى لك دينك وثبتنا وإياك على الحق حتى نلقاه .
والله أعلم .