السؤال
السلام عليكم ورحمة الله
لدي استفسار، هل ترك المعاصي والذنوب شرط لإجابة الدعاء أم لا بد من التوبة حتى يستجيب الله دعائي؟ لأني مبتلى بذنب حاولت أن أتركه ولكني أقع فيه كثيرًا، وأدعو الله أن يخلصني منه، فأرجو النصيحة.
السلام عليكم ورحمة الله
لدي استفسار، هل ترك المعاصي والذنوب شرط لإجابة الدعاء أم لا بد من التوبة حتى يستجيب الله دعائي؟ لأني مبتلى بذنب حاولت أن أتركه ولكني أقع فيه كثيرًا، وأدعو الله أن يخلصني منه، فأرجو النصيحة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك في استشارات إسلام ويب.
أولًا: نسأل الله تعالى على أن يَمُنَّ علينا وعليك بالتوبة النصوح، وأن يُوفقنا للخيرات ويُعيننا عليها.
ثانيًا: ينبغي أن تُدرك -أيها الحبيب- أن صاحب الذنب على خطر؛ لأنه لا يدري متى يُفاجئه الموت، ولذلك كان لزامًا على كل واحدٍ مِنَّا أن يُبادر ويُسارع إلى التوبة في كل حين، والتوبة فريضة على كل مسلم، كما قال الله سبحانه وتعالى:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، ولا يجوز للإنسان أن يُسَوِّف ويؤخِّر بالتوبة، وإذا جاءه الشيطان بشيء من هذه الأفكار وزيَّن له تأخير التوبة وتسويفها، فينبغي أن يُذكِّر نفسه بالعواقب والنهايات، فإن الله تعالى بالمرصاد، وهو سبحانه وتعالى يغار، وغيرتُه أن تُؤتى محارمه.
فإذا تَذكَّر الإنسان لقاء الله تعالى والانتقال من هذه الدنيا، وتذكَّر نهايات هذا الذنب وعقوباته، تذكَّر الجنة وما فيها من النعيم للمتقين، والنار وما فيها من عقاب أليم للعاصين.
إذا تذكَّر هذا وأسمع نفسه هذا النوع من المواعظ؛ فإن ذلك سيحثه ويبعثه على التوبة، فبادِرْ إلى فعل هذا حتى يُعينك الله تعالى على تحقيق هذه التوبة، فإنك لن تتوب حتى يُيَسِّر الله تعالى لك التوبة، كما قال الله جل شأنه في آخر سورة التوبة: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}.
فتعرَّض لرحمة الله تعالى، وأظهر الافتقار والحاجة إلى الإعانة؛ فإن الله تعالى لن يخذلك، ومهما كان هذا الذنب، ومهما كنت قد ابتُليت بالإدمان عليه؛ فإن تركه يسير حين تتوجه إلى الله تعالى بذلٍّ وافتقار، وتسأله سبحانه وتعالى أن يُعينك على التخلص منه، وإذا أعانك الله صار كل شيء سهلًا يسيرًا.
وأمَّا عن الدعاء بخصوصه -أيها الحبيب- فإن الدعاء أجدرُ بالإجابة كلَّما كان صاحبه أقرب إلى الله تعالى، ولذلك أوصانا رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- بأن ندعو في السجود؛ لأن هذه الحالة أقرب حالات الإنسان إلى ربه، كما قال -عليه الصلاة والسلام أقرب-: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)، وقال: (فاجتهدوا فيه بالدعاء، فإنه قمنٌ أن يُستجاب لكم) يعني جدير بأن يستجاب.
فكلَّما كان الإنسان أقرب إلى الله تعالى وأحسن حالًا معه، كان أجدر وأحق بأن يُجاب دعاؤه، ولكن هذا لا يعني أن الإنسان إذا دعا ربه بصدقٍ واضطرارٍ وهو على ذنبٍ أو معصيةٍ أنه لن يُجيبه، فإن الله تعالى يُجيب المضطر إذا دعاه، كما قال سبحانه في كتابه الكريم: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ}، وقد أخبرنا الله في كتابه أنه يجيب دعاء المشركين إذا دعوه بصدق {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} يعني استجاب لهم ونجَّاهم إلى البر، وقد استجاب الله تعالى دعوة إبليس حين دعاه لقوله: {رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}، فقال الله تعالى: {فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} على أحد التفسيرين للآية.
فلا ينبغي للإنسان أن يقطع رجاءه وأمله في الله تعالى، بأن يُجيب دعاءه، فأحسِن ظنَّك بالله أنه سيستجيب دعاءك، وادعُ الله وأنت موقن بالإجابة، كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة).
ومع هذا يجب عليك أن تُبادر وتُسارع إلى التوبة، وتعلم أن الفرصة ربما تذهب من بين يديك، وأن الله عز وجل قد يُعاقبك بتأخيرك للتوبة بأن يصرف قلبك عن التفكير في التوبة أصلًا، وقد حذَّرنا الله تعالى من هذا فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}.
نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.