السؤال
السلام عليكم.
هل يوجد علاج لتبلد المشاعر الشديد؟
فقدت السعادة والحزن والخوف، أريد أن أعود طبيعاً كما كنت؟
السلام عليكم.
هل يوجد علاج لتبلد المشاعر الشديد؟
فقدت السعادة والحزن والخوف، أريد أن أعود طبيعاً كما كنت؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك -أخي الكريم-، وردا على استشارتك أقول:
فقبل الرد على استشارتك أود أن أوصيك بأمور:
أولها: يجب عليك أن تحافظ على فرائض الله تعالى وأهمها الصلاة، فالصلاة نور ينور الله به القلوب، وهي ناهية عن الفحشاء والمنكر، وجالبة للأرزاق بجميع أنواعها ومنها السعادة، غاية السعادة أن يكن الإنسان عبدا لله تعالى يعبده ويتذلل بين يديه ويناجيه وهو ساجد وفي خلواته.
ثانيها: اجتهد في تقوية إيمانك من خلال كثرة العمل الصالح، فقوة الإيمان تولد في القلب مراقبة الله تعالى والخوف منه وتستجلب الحياة الطيبة السعيدة، كما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
ثالثها: حافظ على أذكار اليوم والليلة فمن ثمارها راحة النفس، وطمأنينة القلب، وحرز من شر كل ذي شر، وغفران الذنوب، والأجر العظيم، قال تعالى: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا).
رابعها: أكثر من تلاوة القرآن الكريم واستماعه وخاصة التلاوات الخاشعة بحيث تكون متفرغا عن المشاغل مختليا بنفسك، فذلك سيجلب لقلبك الخشوع والطمأنينة، ويولد الخوف من الله خاصة حين يقرأ الإنسان أو يستمع آيات العذاب ويقرأ الآيات أو يستمع الآيات التي تتحدث عن عظمة الله وصفاته.
كل إنسان يخلقه الله تعالى يخلق معه المشاعر غير أن تلك المشاعر قد تتبلد وتخمد لأسباب متعددة، منها كثرة المعاصي، ومنها الغفلة عن الله تعالى وعدم ذكره، وترك العبادات، وإن خمدت تلك الصفات فإنها لا تنمحي غير أنها تصبح معطلة، ولإعادتها لا بد من ترك الأسباب التي أدت إلى خمولها، ومن أعظم أسباب استعادة تلك الصفات التوبة النصوح من الذنوب والمعاصي، والقيام بما أوجب الله على العبد.
بعض الصفات قد تخمل بسبب وجود صفات مضادة لها يكون عملها في الإنسان طاغيا كالحياء الشديد مثلا مع أن الحياء صفة محمودة لكن حين تزيد عن الحد تطغى على مشاعر إظهار الحب والود، فمثلا زوج شديد الحياء فلا يستطيع أن ينطق ويقول لزوجته أحبك أو ما أجملك أو يتغزل بها، والسبب في ذلك هو الحياء الشديد.
بعض الصفات تخمل وتختفي من الإنسان بسبب البيئة التي يعيش فيها، فالبيئة غير معتادة أن تتصف بصفة معينة، فمثلا ملاعبة الأطفال وتقبيلهم هذه من الصفات الحسنة المحمودة، لكن بيئة الأعراب الذين يسكنون في الصحاري وهم البدو عندهم جفاء وجفوة شديدة، فلا تكاد تجد فيهم من يفعل ذلك، وقد أتى رجل من المسلمين من البادية إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرآه يقبل طفلا فقال: يا رسول الله تقبلون الصبيان فوالله إن لي عشرة ما قبلت أحدا منهم، فقال عليه الصلاة والسلام: (وما أصنع إن كان الله نزع الرحمة من قلبك).
البيئة التي فيها معاصي كثيرة ويراها الإنسان كل يوم بل كل ساعة في بادئ الأمر يغضب ويتمعر وجهه، ولكن مع مرور الأيام يصبح الأمر معتادا، فكيف بالإنسان الذي ولد في تلك البيئة لا شك أن كثيرا من مشاعرة سوف تتبلد.
من أسباب تبلد المشاعر كثرة المشاكل والهموم خاصة إذا رافق ذلك ضعف في الإيمان، أما المؤمن فإنه معتصم بالله يتقلب بين أجري الصبر والشكر، كما قال عليه الصلاة والسلام: (عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ).
اعلم -أيها الأخ الكريم- أن غاية السعادة في الإيمان بالله تعالى، كما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، وغاية التعاسة في الإعراض عن ذكر الله تعالى، قال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى).
المعاصي لها آثار سيئة ومنها العيشة الضنكة كما مر في الآية، وصدق رسول الله عليه الصلاة والسلام حين قال: (وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه)، فكم من إنسان حرم الكثير بسبب ذنوبه، وما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة.
تضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد، وتحين أوقات الإجابة، وسل ربك أن يهديك ويصلح قلبك ويرزقك ومراقبته في السر والعن، وأكثر من دعاء: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب صرف قلبي إلى طاعتك).
الزم الاستغفار، وأكثر من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب، ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).
بناء النفس يحتاج إلى صبر ومصابرة ومجاهدة، فإن فعلت ذلك فسوف تحصل على ما ترجوه، قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).
ابتعد عن رفقاء السوء فإن لهم آثارا سيئة على حياتك فإنهم يجرون إلى المعاصي جرا، وعليك بمرافقة الصالحين فإنهم يدلونك على الخير ويعينونك عليه وإذا سقطت أخذوا بيدك.
نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق، وأن يرزقنا الصفات الحسنة ويجنبنا الصفات السيئة.
جزاك الله خيرا اخي الفاضل
جزاكم الله خيرً
الحمد لله على كل حال .اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك