الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مات الإبداع بداخلي فأصبت بالبلادة وتجمد الأفكار

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا طالب في المرحلة الثانوية وفي السنة الأخيرة لي -والتي سوف تظهر معالم مستقبلي- أعاني من ضعف في التركيز لدرجة لا تصدق، عقلي يتنقل مثل القرد بين الأفكار كل ثلاث ثوانٍ، لا أجد الحل أو العلاج، أجد صعوبة في التعلم، أصبحت قدراتي الذهنية أشبه بإنسان ليس لديه عقل، أقف ساعات وساعات أحاول أن أحفظ ولو نصف صفحة لا أستطيع، وإن أتممت الحفظ بعد عناء، فبعد عشر دقائق أنسى تماما ما قد حفظته أو فهمت.

أصابتني البلادة وتجمد التفكير، أصبحت لا أبدع في أي شيء إطلاقا، لقد مات الإبداع والتطوير في نفسي وعقلي، وجراء ذلك فكرة الانتحار لا تتركني بسبب كل ما أعانيه الآن، ولولا أن الانتحار محرم لكنت الآن في قبري منذ سبعة أشهر، هذا بالإضافة إلى كثرة التفكير السلبي، والأفكار الهدامة والوساوس القهرية.

المشاكل تتزايد وتتراكم يوماً بعد يوم، وحالتي لا تتحسن أبدا، بل تزداد سوءًا بعد سوءٍ، لا أعرف لم يحدث هذا لي؟ فأنا في سنواتي السابقة لم أكن هكذا أبدا، كنت سريع الحفظ لدرجة لا توصف، وسريع الفهم، كنت أحفظ الصفحة من مرة واحدة، أو إن صح التعبير من نظرة واحدة، كنت أدهش أساتذتي بسرعة حفظي وذكائي المتوقد، كنت شغوفا بطلب العلم وحريصا على مستقبلي وعلى مسؤولياتي، وأصبحت الآن لا أبالي، ولا أكترث لمستقبلي الذي يضيع يوماً بعد يوم.

قررت أن أقرأ القرآن على ماءٍ وأشرب منه، ولكن دون جدوى، والآن فكرت في أن أذهب إلى طبيب للمخ والأعصاب بعد شكي في أني مصاب باضطراب (ADD)، ولكني أخاف من دوامة الأدوية النفسية التي لا تتوقف، فأرجو منكم أيها الأفاضل الكرماء أن تجدوا لي الحل، وهل أنا أعاني من ذاك الاضطراب أعلاه أم لا؟ وهل هناك آثار جانبية للأدوية النفسية؟ أم أن كل هذا حسد أو مس؟

شكرًا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الابن الفاضل/ معاذ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية.

حين قرأتُ رسالتك في بداياتها اعتقدتُّ أنك ربما تعاني من علَّة فرط الحركة وتشتت الانتباه، لكن حين اكتشفت أن مقدرات الحفظ كانت لديك متميزة وكنت سريع الفهم هذا أقنعني تمامًا أنك لا تعاني من علة زيادة أو فرط الحركة وتشتت الانتباه، لأن فرط الحركة يكون منذ الولادة، لا يكون مكتسبًا بهذه الصورة التي تحدَّثت عنها.

أنا أعتقد أنك غالبًا مُصاب بشيء من الكدر وشيء من الإحباط، هو بسيط إن شاء الله تعالى، لكن بما أنك تبحث نحو المثالية والإنجاز العلمي المتميّز هذا جعلك تدخل في دوامة ضعف التركيز وتشتت الذهن، أنا متأكد أنك تستوعب، لكن الشعور السلبي ونسبةً لأنه يُهيمن عليك يعطيك هذا الانطباع أنك لم تحفظ أي شيء، أنا متأكد أنك حين تذهب للامتحان سوف تستطيع أن تنقل معلوماتك على الورقة، هذا الأمر معروف جدًّا، خاصة بالنسبة للكثير من المتميزين.

أيها الفاضل الكريم: طبعًا التفكير في الانتحار أمرٌ محزن جدًّا، وأنا لا أرى شيئًا يدفعك نحو الانتحار، والحياة طيبة، والانتحار من أكبر الآثام، هذا أمرٌ معروف ومفروغ منه، وليس فيه حلٌّ لمشاكل الإنسان، بل هو ينتقل من مشكلة إلى أسوأها وإلى مآل سيئ دائم، حيث إن المنتحر يُخلد في النار بنص الأحاديث الواردة في السنة، فهذا الفكر السخيف يجب أن تُحقّره، ويجب أن تعرف أن الإنسان تتغيّر أحواله من وقت لآخر، هذا الذي يأتيك أمرٌ عابر، ربما تكون محتاجًا فقط لتنظيم الوقت.

ربما تكون محتاجًا فقط لأن تأخذ قسطًا كافيًا من الراحة ليلاً، لأن النوم الليلي يؤدي إلى ترميم كامل في خلايا الدماغ وخلايا الجسم ممَّا يجعل الإنسان يحسّ بقوة في التركيز في الصباح المبكّر، خاصة بعد صلاة الفجر، وأعرفُ كثير من الذين يدرسون فقط بعد صلاة الفجر، ساعة أو ساعتين، وتجدهم من المتميزين، الأمر قد يحتاج منك فقط لممارسة شيء من الرياضة، الرياضة تُجدد الطاقات، وتُحسِّن التركيز، كذلك حسن إدارة الوقت وتنظيمه - كما ذكرنا - أمر مهمَّ جدًّا، التغذية السليمة، تطبيق بعض التمارين الاسترخائية... هذه كلها وسائل حقيقة تُساعدك كثيرًا، فأرجو أن تجعل هذا منهجك.

نسبة لهذه الأفكار المزعجة - الأفكار الانتحارية - أرجو أن تذهب وتقابل الطبيب النفسي، ليس طبيب المخ والأعصاب، إنما استشاري الطب النفسي، تحدَّث مع أهلك واذهب إلى طبيب، قد تحتاج لزيارة أو لزيارتين، وأنا متأكد أن الطبيب سيقدّم لك المزيد من الإرشاد، وإن رأى أن هنالك حاجة لأحد الأدوية التي تُحسِّن المزاج سوف يقوم بإعطائك أحدها، وهناك أدوية ممتازة جدًّا وسليمة في عمرك، وتُعالج الوسوسة، والأفكار المتطايرة والمتداخلة، وكذلك المشاعر السلبية، والأدوية سليمة جدًّا إذا أُعطيت من خلال الطبيب المختص، وكانت الجرعة صحيحة، والتزم الإنسان بتناولها حسب ما هو موصوف.

موضوع الحسد والمس: أنا أؤمن بوجود هذه الأمور، لكن لا أرى أي شيء يُشير إلى ذلك في حالتك، كل الذي أرجوه منك هو أن تحرص على الصلاة في وقتها، والمحافظة على الأذكار - خاصة أذكار الصباح والمساء وأذكار النوم - ويجب أن تقرأ وردٍ قُرآني مهما كنت مشغولاً، القرآن يُحسِّن التركيز أيضًا، وإن شاء الله هو أعلى درجات الذكر، وهو حافظ بإذن الله تعالى، فاذهب إلى الطبيب، وتوكل على الله، واستعن بالله ولا تعجز.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً