السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكر القائمين على موقع إسلام ويب على جهودهم المباركة في تقديم العون والمساعدة لكل من يطلب المشورة، وشكري أيضاً لكل من يعمد إلى الاقتطاع من وقته من أجل الرد على الاستشارات من الأساتذة والأطباء والأخصائيين.
مشكلتي مع أخي الأصغر ذي الـ 18 عاماً من العمر، والذي يصغرني بـ 10 سنوات، يدرس في الصف الثاني الثانوي حالياً، لا يعبأ بحياته ولا بمستقبله، ويختلف عنا كثيراً كإخوة له.
عندما كان صغيراً وقبل سن بلوغه اكتشفنا أن العامل في البقالة المجاورة لبيتنا -وهو من جنسية آسيوية- يريه مقاطع إباحية مستغلاً براءته وبراءة أصحابه الصغار الذين يجتمعون على عتبة تلك البقالة، نهرته ولكن اكتشافي هذا كان بُعيد رحيل ذلك العامل الآثم، لا أدري إن كانت هذه المقدمة تفيد لكن ما نعانيه أن أخي هذا لا يعبأ تماماً بمستقبله.
لم يسبق لأي منا أن دخل الامتحانات من دون مذاكرة ولكنه يفعل ذلك حتى الآن، يعتمد الكذب كثيرا في تبرير كل خطأ حتى فيما يتعلق بدراسته، يجد الكذب مخرجاً في كل مرة يسأله أحد منا عن دراسته ومذاكرته ، يوحي لك بطريقته أنه صادق، ثم لا تلبث أن تكتشف كذبه بعد ذلك فحبل الكذب قصير كما يقولون.
هل تتخيل أيها الأستاذ الفاضل أنه تعمد الرسوب العام المنصرم بعد حصوله على درجات متدنية جدا لا تليق بطالب يهتم لمستقبله الجامعي فيما بعد الثانوية؟ تعمد الرسوب من أجل أن يصلح حاله ويرفع من درجاته هذا العام، ورغم عدم رضانا بقراره إلا أننا قبلنا على مضض، ولكن شيئا من التغيير لم يحصل، بل زادت درجاته سوءاً وهذا ما يُغضب ويثير الحنق عليه، كدت أصفعه مرة لولا أني تذكرت أن مثل هذا العمل يزيده سوءاً على ما هو عليه من السوء، يكفي الإهانات التي يتعرض لها من قبل والدي الثمانيني، والذي تعرضنا لها بدورنا عندما كنا في مثل سنه، إهانات لا أشك في أنها السبب في عزلته وضعف شخصيته وثقته بنفسه أمام الآخرين، وفقره اجتماعيا من أصحاب إلا من اثنين أو ثلاثة هم أيضاً لا يكترثون بدراستهم ولا يعنيهم مستقبلهم.
أختي تخبرني أنه في كل ليلة يدخل معه شاحن الجوال وسماعات الأذن وينكفئ على نفسه، يوحي لأسرتي أنه سينام ولكنه لا ينام إلا في وقت متأخر جداً حتى يصعب على أختي أن توقظه صباحاً، وغالباً ما يستيقظ متأخراً فيصل متأخرا أيضاً إلى المدرسة، وأنا لا أشك أيضاً في أنه كان يسهر على مقاطع وصور إباحية، يكفي دليلاً على ذلك أن تلاحظه في نهاره أثناء جلوسه: شارد الذهن، ملتزم الصمت، منطوياً على ذاته، تغيب عنه حيوية الشباب ونشاط اليافعين، كسولاً وبطيء الحركة، متبلد الإحساس لا يكترث لما ينفعه أو يضره، كل ذلك يدل على أن حياته الأخرى التي يعيشها في كل منتصف ليل سرقته منِّا وكبلته ولا يستطيع منها فكاكاً فيما يبدو.
سألته في آخر جلساتي معه: هل تقنعني أن سهرك منتصف الليل منشغلاً بهاتفك، ومستخدماً سماعات الأذن في غرفتك المظلمة، أنك كنت تستمع للمحاضرات والأناشيد؟ هل وقت ذلك مناسباً وأمامك يوم دراسي طويل بعد ذلك؟ هو فهم ما أرمي إليه فصمت ولم يُـجب، الحق أنني جلست معه غير مرة أحاوره وأتلمس احتياجاته، طلبت منه أن يظهر ما تكنه نفسه، ولكنه في كل مرة وبشكل محزن يخبرني أن كل شيء على ما يرام، مع أن ظاهره يشي بغير ذلك.
قدمت له كل المساعدة والعون، وفرنا له نحن كإخوة ما لم يتوفر لنا ونحن بمثل سنه، هو لا يعاني من عوز مالي، وفرنا له سيارة خاصة يستخدمها للذهاب للمدرسة كل يوم، عرضت عليه المساعدة في أي مادة يريد مني أن أساعده فيها، أغرقته بالنصائح والإرشادات، وأعطيته صورة عما سيكون عليه مستقبله فيما لو بقي على حاله، وأخذت من إخوتي الذين يتفاوتون في وضعهم المعيشي نماذج لأدله على أي طريق يريد أن يسلك: يسلك طريق الإخوة الذين يعانون من وضع مالي متردٍ إلى حد ما؛ بسبب عدم اهتمامهم بنيل الشهادات التي تؤهلهم للحصول على وظائف مرموقة، وذات عائد مالي مجزي، أم أولئك الذين يعيشون في رغد من العيش ولله الحمد، وخيرته أي الطريقين تختار؟!!
استعملت معه الشدة والصوت العالي مرات، وكل تلك الأساليب لم تحرك فيه ساكناً، متبلد الإحساس تماماً لا يشعر بشيء، كنت أعرف أن الهاتف الخاص به هو سبب مهم لما آل إليه أخي من سوء وتردٍّ؛ لذا أخبرته أنني سأساعده بإبعاد الهاتف عنه، لكنه لم يرضه ذلك، إلا أنه ليس لدي خيار آخر، بعد أن سحبته منه وعوضته بهاتف آخر غير ذكي يكفيه للتواصل على الأقل، اكتشفت أن هاتفه الآخر الذي أخبرني كثيراً أنه عاطل ويحتاج لإصلاح اكتشفت أنه يستخدمه خفية، فلم يكن عاطلا ولكنه كان يكذب، يكذب كثيراً جدا يا دكتور.
أكاد أصفعه على وجهه مرات أحيانا انتقاما لكرامتي بعد كذبه هذا، لكن سرعان ما أتراجع لأن ذلك لا يحل المشكلة، يزعجني كذبه كثيرا، ولك أن تتخيل أنه يكذب في كل شيء، يكذب في وقت نومه ودراسته، ومع من يخرج، والساعة التي يعود فيها، وخروجه صباحا للمدرسة ووضعه دراسياً، في كل شيء، وعند مواجهته يدلي بتبريرات واهية وسخيفة جداً لا يصدقها عاقل، وهذا ما يثير حنقي وغضبي.
أقف الآن عاجزاً والله، لا أستطيع أن أعمل أكثر مما عملت، يخيفني أن أراه بعد عامين هائماً تائهاً لا يجد جامعة تستقبله ولا كلية تحتويه، يخيفني فكرة أن أراه منغمساً في ملذاته وانحرافاته أكثر بسبب فراغه عند ذلك، ثم لا ينفع الندم، أراه أمامي الآن يسير في طريق هلاكه وأرشده للطريق السليم ثم لا يسمع ولا يطيع، قد ركب رأسه وحذرته أنه سيندم ويبدو أنه سيفعل ذلك بعد حين.
أرشدوني ماذا أفعل؟ هل أتركه كما تركه إخوتي وأتفرغ لعائلتي الصغيرة، أم أستمر معه حتى أجعله يكرهني أكثر؟
تحياتي وتقديري.