السؤال
نحن عائلة مكونة من ثمانية أشخاص, نعيش في الغربة بعيدا عن الوطن, هو الخامس بيننا, خلال المرحلة الابتدائية كان كثير الحركة ومشاكسا في المدرسة فهو يكرهها, ويعاني من صعوبة في الحفظ, وقلة تركيز، بينما نحن إخوته كنا من المهتمين بالدراسة والمتميزين, شخصيته حساسة مما جعله عرضة للسخرية من قبل زملائه, والتعنيف من قبل معلميه, كتوم, ولم يكن يبوح لنا بشيء مما كان يتعرض له من ضرب من قبل معلميه وزملائه, وفي البيت مشاكس, وكثيرا ما كان يتعرض أيضا للتوبيخ والتعنيف والطرد لعدم هدوئه, وكثرة مشاغبته, وعدم تصرفاته المتزنة.
عمره الآن 20 عاما, منعزل اجتماعيا, ترك المدرسة بعد أن أنهى الصف الثاني ثانوي, رافض للعمل في أي مجال يكون فيه ناس, وذلك بعد تجربة فاشلة في العمل؛ حيث اشتغل في مكتبة وكان صاحب المكتبة قاسيا جدا معه، فكثيرا ما كان يوبخه على أخطاء بسيطة، ولم يكن يتجاهل له شيئا وفي الأخير طرده، وبعدها أصبح شرطه أن يعمل أن يكون في مكان خالٍ من الناس.
ليس لديه أي صديق, وفي المرحلة المتوسطة تعرف على طالب ولكنه كان صديق سوء, ولم تنجح علاقته معه, لا يحتك بأفراد أسرته إلا نادرا -عند مصلحته- لحوح عند رغباته, وعنده نفس طويل في الجدال وإقناع من أمامه لتحقيق رغباته, كثير الطلبات, يفكر في نفسه كثيرا, ويشكو بين الوقت والآخر من ضعف نظره أو رائحة في فمه أو غيره, وعندما شكا من الرائحة في فمه, وذهب به للطبيب أصر أن لا يذهب معه أحد منا خصوصا والدي, وعندما ذهب لدكتور العيون لفحص نظره لم يكن عنده أي مرض فيها وأعطاه معقما, وعند انتهاء الدواء قال أخي إنه لم يستفد, وإن ألم عينيه لم يزل مستمرا, وأصر على أن يذهب لدكتور ثانٍ وثالث! شكاك لدرجة كبيرة, يهتم كثيرا بنظافة هندامه؛ حيث إنه يغسل ملابسه بمفرده, يهتم أيضا بصحته, ويبحث كثيرا عن ما يعزز ويحسن الصحة, يرفض أن يرافقنا لأي مكان, ملتزم بالصلاة في المسجد ويحافظ على الأذكار والتسبيح وعلى ورده من القرآن يومياً.
ذهب به أبي لدكتور نفسي وذلك بعد ترجٍ شديد له؛ لأنه كان يرفض الذهاب, وشخص الدكتور حالته بالوهم الضلالي بناء على ما ذكره له والدي من تصرفات, ولكن بالنسبة لأخي فهو لم يتحدث مع الطبيب سوى أنه يعاني من فقد الثقة بنفسه ويريد حلا لذلك, وعندما سأله الطبيب لماذا؟ لم يجب, كتب لنا الدكتور دواءين، وقال يجب أن يأخذهما وإن رفض فيجب إدخاله المستشفى حتى يعطوه إياه بالطريقة المناسبة, ولكنه رفض الدواء، وقال إنه ليس مريضا، بل كل ما عنده اكتئاب وقد ذهب, وحتى نحن لا نشعر أن عنده ذلك المرض فهو لا يبدو عليه أنه مريض, يأكل ويشرب, ومستمع بحياته, ويشاهد البرامج التي يفضلها, ويذهب لممارسة الرياضة, وبدأ الآن بحفظ القرآن الكريم, ولكن مشكلته معنا ومع أبي بالتحديد.
مع العلم أن معاملته معنا أنا وأمي تحسنت في الآونة الأخيرة, فأصبح يطلب مني إذا احتاج شيئا ويأخذ ويعطي مع أمي بالحديث عندما تتحدث معه بخلاف السابق، فقد كان يرفض الحديث مطلقا معنا, ولكن كل ما يقلقنا انتقامه من أبي, حاول أبي تحسين معاملته معه, فأصبح يلبي أي طلب له ليعبر له عن حبه له, وأصبح يجلس معه, ويحاول التقرب منه، وأوضح له أن ضربه وتعنيفه له في الصغر لم يكن إلا لمصلحته, ولكن دون جدوى، فلم يغير ذلك من تجنبه واعتزاله لنا, بدأ يدخن منذ فترة، وعرفنا ذلك - دون أن يعلم بعلمنا- من رائحة ملابسه, وترافق مع فترة تدخينه ظهور أعراض انتقام من أبي, وتطاول عليه, فوجدناه مرة قد أحرق نظارة أبي، وأخرى مزق فيها ثوبه, وغير ذلك.
مع العلم أنه عندما كنا صغارا كان عندما يغضب من أي أحد يفعل ذلك معه فيمزق ملابسه أو يخرب أي شيء له, هل أخي مريض نفسيا؟ وكيف نستطيع إنهاء حالة العزلة التي يعيشها؟ وكيف نجعله ينخرط في المجتمع؟ وكيف نتعامل معه حيال ذلك؟ والأهم كيف ننهي حالة الانتقام التي يعيشها تجاه أبي؟
وجزيتم خيراً.