فصل
إنما تجب تبعا لأبويه أو أحدهما وبحريته . فأما الجنين المحكوم بأنه يهودي أو نصراني تبعا لأبويه ؛ ففيه أوجه ؛ أحدها : لا يجب فيه شيء أصلا ، والثاني : تجب غرة كالمسلم ، وأصحها وبه قطع الجمهور : يجب ثلث غرة المسلم ؛ فعلى هذا في الجنين المجوسي ثلثا عشر غرة المسلم ؛ وهو ثلث بعير ، ثم قيل : يؤخذ هذا القدر من الدية ويدفع إلى المستحق ، ولا يصرف في غرة ، وقيل : يدفع هذا القدر ، أو غرة بقيمته . الغرة الكاملة في جنين محكوم بإسلامه
والأصح المنصوص : أنه يشتري به غرة ؛ إلا أن لا توجد فيعدل حينئذ إلى الإبل أو الدراهم ، ولو كان أحد أبوي الجنين يهوديا أو نصرانيا ، والآخر مجوسيا ؛ فهل يجب فيه ما يجب في الجنين النصراني أم المجوسي ، أم يعتبر بالأب ؟
فيه أوجه ، الأصح المنصوص هو الأول ، ولو كان أحد أبويه ذميا ، والآخر وثنيا لا أمان له ؛ فعلى الأصح يجب ما يجب فيمن أبواه ذميان ، وعلى الثاني : لا شيء فيه ، وعلى الثالث : يعتبر جانب الأب ، والجنين المتولد من مستأمنين كجنين الذميين ، ولو ، يعرض الجنين على القائف وله حكم من [ ص: 371 ] ألحقه به ، وإن أشكل الأمر أخذ الأقل ووقف إلى أن ينكشف الحال أو يصطلحوا . اشترك مسلم وذمي في وطء ذمية بشبهة فحبلت وأجهضت جنينا بجناية
قال في " البيان " : ولا يجوز أن يصطلح الذمي والذمية في قدر الثلث منه لجواز أن يكون الجميع للمسلم لا حق لهما فيه ، ويجوز أن يصطلح في الثلث المسلم والذمية ؛ لأنه لا حق للذمي فيه ، ولا يخرج استحقاقه عنهما .
والمسألة مفرعة على أن الميت يعرض على القائف وهو الصحيح ، ولو ، نظر ، إن ارتدت بعد الحبل ، وجبت غرة ؛ لأن الجنين محكوم بإسلامه ، وإن حبلت بعد الردة من مرتد ، بني على المتولد من مرتدين مسلم أم كافر ؟ إن قلنا : مسلم ، وجب غرة ، وإلا فلا شيء فيه على الصحيح ، كجنين الحربيين ، وبه قطع الشيخ أبو علي وغيره ، وفي " التهذيب " أن فيه دية جنين مجوسي لعلقة الإسلام . جنى على مرتدة حبلى فأجهضت
فرع
، وجبت غرة كاملة ؛ لأن الاعتبار في الضمان بآخر الأمر ، وكذا حكم من جنى على أمة حبلى فعتقت ثم ماتت ، وفيما يستحقه سيدها من ذلك وجهان ، أو قولان : الصحيح : الأقل من عشر قيمة الأمة ومن الغرة ، والثاني : لا يستحق السيد بحكم الملك شيئا ؛ قاله القاضي أبو الطيب والقفال ؛ لأن الإجهاض حصل حال الحرية ؛ فصار كحر تردى في بئر كان عند حفرها رقيقا ، لا شيء لسيده من الضمان . جنى على ذمية حبلى من ذمي ، فأسلم أحدهما ثم أجهضت
فرع
؛ فالأصح وبه قال جنى على حربية ؛ فأسلمت ثم أجهضت ابن الحداد : لا يجب شيء ، وقيل : يجب غرة .
[ ص: 372 ] قلت : قال البغوي : يجري الوجهان فيما لو جنى السيد على أمته الحامل من غيره ، فعتقت ، ثم ألقت الجنين . والله أعلم .
فرع
الجنين الرقيق فيه عشر قيمة الأم ، ذكرا كان أو أنثى ، قنة كانت أمه أو مدبرة ومكاتبة ومستولدة ، ولو ؛ فالواجب في الأول عشر قيمة الأم ، وفي الثاني الغرة ، وفي القيمة المعتبرة وجهان : أحدهما : قيمة يوم الإجهاض ، والأصح المنصوص تعتبر القيمة أكثر ما كانت من الجناية إلى الإجهاض . ألقت جنينا ميتا فعتقت ، ثم ألقت آخر ميتا
فلو كان الجنين سليما والأم مقطوعة الأطراف أو بالعكس ؛ فوجهان ، أحدهما : تقوم مقطوعة ، وأصحهما : سليمة ، كما لو كانت كافرة والجنين مسلم ، يقدر فيها الإسلام وتقوم مسلمة ، وكما لو كان الجنين رقيقا وهي حرة ، بأن كانت لرجل والجنين لآخر فأعتقها صاحبها ، وبقي الجنين رقيقا لصاحبه ، تقدر الأم رقيقة ، ويجب في الجنين عشر قيمتها .
فرع
؛ لزمه عشر قيمة الأم للسيدين ؛ فلو جنى عليها أحدهما ؛ فألقت ميتا ؛ لزمه نصف عشر قيمة الأم لشريكه . جارية مشتركة بينهما نصفين ، حبلت من زوج أو زنا ، وجنى عليها رجل فألقت جنينا ميتا
ولو أعتقها بعدما جنى ، ثم ألقته ، نظر ؛ إن كان معسرا عتق نصيبه من الأم والجنين وعليه نصف عشر قيمة الأم لشريكه ، وهل يلزمه نصف الغرة للنصف الحر ؟ وجهان ، قال ابن الحداد : لا ؛ لأنه وقت الجناية كان ملكه ، وقال آخرون : نعم ، وهو نصه في " الأم " لأن الجناية على الجنين إنما تتحقق عند الإلقاء ، وهو حر حينئذ ، والخلاف مبني على أن الموجب للغرة الضرب أو الإجهاض ؛ وفيه وجهان ، وأكثر الناقلين يميلون إلى ترجيح [ ص: 373 ] وجوب نصف الغرة ، والأصح ما رجحه الشيخ أبو علي وجماعة أنه لا يجب ، وأن الموجب الضرب لتأثيره ؛ فإن أوجبنا ، بني على أن من بعضه رقيق هل يورث .
إن قلنا : نعم ؛ فهو لورثته غير سيده وأمه ؛ لأنه قاتل وبعضها رقيق ؛ وإن قلنا : لا ، فهل هو لبيت المال أم للمالك نصفه ؟ فيه الخلاف السابق في الفرائض ، أما إذا كان المعتق موسرا ؛ فإن قلنا : تحصل السراية بنفس الإعتاق أو بأداء القيمة وأداها قبل الإجهاض ؛ فعلى الجاني الغرة وتصرف إلى ورثة الجنين ، وإن قلنا : تحصل بأداء القيمة ولم يؤدها حتى أجهضت ؛ فحكمه كما ذكرنا فيما لو كان معسرا .
وإن قلنا : العتق موقوف ؛ فإن أدى القيمة تبين حصول العتق من وقت اللفظ ، ويكون حكمه كما إذا قلنا : تحصل بنفس الإعتاق ، وإن لم يؤد ، فكما ذكرنا لو كان معسرا ، ولو كانت المسألة بحالها لكن أعتق أحدهما نصيبه ثم جنى عليها جان ، فألقت جنينا ميتا ؛ فالجاني المعتق أو شريكه أو أجنبي ؛ فإن كان المعتق ، نظر ؛ إن كان معسرا ، بقي نصيب الشريك ملكا له .
فعليه له نصف عشر قيمة الأم ، وعليه للنصف الذي عتق نصف الغرة بلا خلاف ، ولمن يكون ذلك ؟ يبنى على الخلاف فيمن بعضه حر ، هل يورث كما سبق ، وإن كان موسرا ، فإن قلنا : تحصل السراية بأداء القيمة ، أو قلنا : بالوقف ، وأدى القيمة ، غرم لشريكه نصف قيمة الأمة حاملا ولا يفرد الجنين بقيمته ؛ بل يتبع الأم في التقويم ، كما يتبعها في البيع ، ويلزمه بالجناية الغرة ؛ لأن الجنين حر ، وترث الأم منها ؛ لأنها حرة ، والباقي منها لعصبته ولا شيء للمعتق ؛ لأنه قاتل .
وإن جنى الشريك الآخر ؛ فإن كان المعتق معسرا ؛ فنصف الجنين مملوك للجاني ؛ فيلزمه نصف غرة للنصف الحر ، ويعود الخلاف في أنه لمن هو ، وإن كان موسرا ؛ فإن قلنا : لا تحصل السراية إلا بأداء القيمة ، أو قلنا : بالوقف ، ولم يؤد القيمة ، فالحكم كما لو كان معسرا .
[ ص: 374 ] وإن قلنا : يعتق باللفظ أو بالتوقف ، وأدى القيمة ؛ فللجاني على المعتق نصف قيمتها حاملا وعلى الجاني الغرة ، وترثها الأم والعصبة ؛ وإن كان الجاني أجنبيا ؛ فإن كان المعتق معسرا ، فقد أتلف الأجنبي جنينا نصفه حر ، ونصفه رقيق ، فعليه نصف غرة ، ونصف عشر قيمة الأم ، وإن كان المعتق موسرا ، وعتق كله ؛ فقد أتلف الأجنبي جنينا حرا ففيه غرة .
ولو ؛ فعلى كل واحد منهما للآخر ربع عشر قيمة الأم ؛ لأن كل واحد منهما جنى على ملك نفسه وملك صاحبه ، ونصيب كل واحد تلف بفعليهما ؛ فهدر جنايته على ملكه والحقان من جنس واحد ؛ فيكون على خلاف التقاص . وإن أعتقاها معا بعدما جنيا ، أو وكلا رجلا ؛ فأعتقها بكلمة ، ثم أجهضت ، فقد عتق الجنين مع الأم قبل الإجهاض ، فيضمن بالغرة ، وفيما يجب على كل واحد منهما وجهان . جنى عليها الشريكان معا ، فأجهضت جنينا
قال ابن الحداد : ربع الغرة اعتبارا بحال الجناية ، وقال غيره : نصفها اعتبارا بحال الإجهاض ، وللأم ثلث الواجب والباقي للعصبة ، ولا يرث السيدان منها شيئا ؛ لأنهما قاتلان . ولو جنى عليها أحدهما ، ثم أعتقاها ، ثم أجهضت ؛ فعلى قول ابن الحداد : على الجاني نصف الغرة ، ولشريكه الأقل من نصفها ونصف عشر قيمة الأم ، وعلى قول غيره : عليه غرة كاملة اعتبارا بيوم الإجهاض .
فرع
؛ فإن كانا موسرين ؛ فالجنين حر وعلى الجاني غرة ، وهي لمن يلحقه الجنين ، وإن كانا معسرين ، فهل كل الولد حر أم نصفه ؟ قولان ، أظهرهما : الثاني ؛ فعلى هذا على الجاني نصف الغرة ، ونصف عشر قيمة الأم ؛ فنصف الغرة لمن يلحقه ، ونصف عشر القيمة للآخر . وطئ شريكان مشتركة ، فحبلت ، فجنى ، فألقت ميتا
[ ص: 375 ] فرع
؛ فلا ضمان إن لم يكن للجنين وارث سوى السيد ، وإن كان له أم أم حرة ، غرم السيد لها الأقل من قيمة المستولدة وسدس الغرة ؛ قال جنت مستولدة حامل من سيدها على نفسها ؛ فألقت جنينا ميتا الشيخ أبو علي : ويجيء قول : إن عليه سدس الغرة بالغا ما بلغ على أن أرش جناية المستولدة يلزم السيد بالغا ما بلغ .
فرع
، تعلقت الغرة برقبة العبد وللأم ثلثها ، وللعم ثلثاها ، والعبد ملكهما ، والمالك لا يستحق على ملكه شيئا فيقابل ما يرثه كل واحد بما يملكه ؛ فالأخ يملك ثلاثة أرباع العبد ؛ فيتعلق به ثلاثة أرباع الغرة ، وله ثلثا الغرة ، يذهب الثلثان بالثلثين يبقى نصف سدس الغرة متعلقا بحصته من العبد ، والزوجة تملك ربع العبد ؛ فيتعلق به ربع الغرة ، ولها ثلث الغرة ، يذهب ربع بربع ، يبقى لها نصف سدس الغرة متعلقا بنصيب الأخ ، وهو ثلاثة أرباع العبد ؛ فيفديه بأن يدفع نصف سدس الغرة إلى الزوجة . مات عن زوجة حامل وأخ لأب ، وفي التركة عبد ؛ فضرب بطنها ، فألقت الجنين ميتا
فرع
؛ انجر ولاؤه من معتق أمه إلى معتق أبيه ، ثم أجهضت الحامل ، قال جنى حر أبوه رقيق وأمه عتيقة على امرأة حامل ، ثم أعتق أبوه ابن الصباغ : على قياس ابن الحداد يتحمل بدل الجنين مولى الأم اعتبارا بحال الجناية ، وعلى قياس غيره ، يتحمل مولى الأب اعتبارا بحال الإجهاض .
[ ص: 376 ] فرع
، وجب في الجنين عشر قيمة الأم ؛ لأنها رقيقة بعد . أحبل مكاتب أمته ، فجنى عليها ، فأجهضت