الشرط السابع : ، فيجب على المأموم متابعته ، فلا يتقدم في الأفعال . والمراد من المتابعة : أن يجري على أثر الإمام ، بحيث يكون ابتداؤه بكل واحد منها ، متأخرا عن ابتداء الإمام به ، ومتقدما على فراغه منه . فلو خالف فله أحوال : الأول : أن يقارنه ، فإن قارنه في تكبيرة الإحرام أو شك هل قارنه أو ظن أنه تأخر فبان مقارنته لم تنعقد . ويشترط تأخر جميع تكبيرة المأموم ، عن جميع تكبيرة الإمام . ويستحب المتابعة ، ويأمرهم به ملتفتا يمينا وشمالا . وإذا فرغ المؤذن من الإقامة ، قام الناس فاشتغلوا بتسوية الصفوف . وأما ما عدا التكبير ، فغير السلام تجوز المقارنة فيه ، ولكن تكره ، وتفوت بها فضيلة الجماعة ، وفي السلام وجهان . أصحهما : جوازها . للإمام أن لا يكبر حتى يسووا الصفوف
الحال الثاني : أن يتخلف عن الإمام ، فإن تخلف بغير عذر ، نظر إن [ ص: 370 ] تخلف بركن واحد ، لم تبطل صلاته على الأصح ، وإن تخلف بركنين بطلت قطعا . ومن صور التخلف بغير عذر ، أن يركع الإمام وهو في قراءة السورة ، فيشتغل بإتمامها ، وكذا التخلف للاشتغال بتسبيحات الركوع والسجود . وأما بيان صور التخلف بركن ، فيحتاج إلى معرفة الركن الطويل والقصير ، فالقصير : الاعتدال عن الركوع ، وكذا الجلوس بين السجدتين على الأصح . والطويل : ما عداهما . ثم الطويل مقصود في نفسه . وفي القصير وجهان . أحدهما : مقصود في نفسه وبه قال الأكثرون ، ومال الإمام إلى الجزم به . والثاني : لا ، بل تابع لغيره . وبه قطع في ( التهذيب ) . فإذا فليس هذا تخلفا بركن ، فلا تبطل به الصلاة قطعا . فلو ركع الإمام ، ثم ركع المأموم وأدركه في ركوعه ، ففي بطلان صلاته وجهان ، اختلفوا في مأخذهما ، فقيل : مأخذهما : التردد في أن الاعتدال ركن مقصود أم لا ؟ إن قلنا : مقصود فقد فارق الإمام ركنا ، واشتغل بركن آخر مقصود ، فتبطل صلاة المتخلف . وإن قلنا : غير مقصود فهو كما لو لم يفرغ من الركوع ، لأن الذي هو فيه تبع له ، فلا تبطل صلاته . وقيل : مأخذهما الوجهان ، في أن التخلف بركن يبطل أم لا ؟ إن قلنا : يبطل فقد تخلف بركن الركوع تاما فتبطل صلاته ، وإن قلنا : لا ، فما دام في الاعتدال ، لم يكمل الركن الثاني ، فلا تبطل . اعتدل الإمام ، والمأموم بعد قائم
قلت : الأصح لا تبطل . والله أعلم .
وإذا ، فعلى المأخذ الأول لا تبطل صلاته ، لأنه لم يشرع في ركن مقصود ، وعلى الثاني : تبطل ، لأن ركن الاعتدال قد تم . هكذا ذكره إمام الحرمين ، هوى إلى السجود ولم يبلغه ، والمأموم بعد قائم . وقياسه أن يقال : إذا ارتفع عن حد الركوع والمأموم بعد في القيام فقد حصل التخلف بركن وإن لم يعتدل الإمام فتبطل الصلاة عند من يجعل التخلف بركن مبطلا . [ ص: 371 ] أما إذا والغزالي فتبطل صلاته قطعا . ثم إذا اكتفينا بابتداء الهوي عن الاعتدال ، وابتداء الارتفاع عن حد الركوع ، فالتخلف بركنين : هو أن يتم للإمام ركنان ، والمأموم بعد فيما قبلهما ، وبركن : هو أن يتم للإمام الركن الذي سبق والمأموم بعد فيما قبله ، وإن لم يكتف بذلك فللتخلف شرط آخر ، وهو أن لا يلابس - مع تمامهما أو تمامه - ركنا آخر . ومقتضى كلام صاحب ( التهذيب ) ترجيح البطلان فيما إذا تخلف بركن كامل مقصود ، كما إذا استمر في الركوع حتى اعتدل الإمام وسجد . هذا كله في التخلف بغير عذر . أما الأعذار فأنواع منها : الخوف ، وسيأتي في بابه إن شاء الله تعالى . انتهى الإمام إلى السجود ، والمأموم بعد في القيام
ومنها : أن ، فوجهان . أحدهما : يتابعه ويسقط عن المأموم باقيها . فعلى هذا لو اشتغل بإتمامها ، كان متخلفا بلا عذر . والصحيح الذي قطع به صاحب ( التهذيب ) وغيره ، أنه لا يسقط بل عليه أن يتمها ، ويسعى خلف الإمام على نظم صلاته ما لم يسبقه بأكثر من ثلاثة أركان مقصودة ، فإن زاد على الثلاثة فوجهان . أحدهما : يخرج نفسه عن المتابعة لتعذر الموافقة . وأصحهما : له أن يدوم على متابعته . وعلى هذا وجهان . أحدهما : يراعي نظم صلاته ، ويجري على أثره . وبهذا أفتى يكون المأموم بطيء القراءة ، والإمام سريعها ، فيركع قبل أن يتم المأموم الفاتحة القفال . وأصحهما : يوافقه فيما هو فيه ، ثم يقضي ما فاته بعد سلام الإمام . وهذان الوجهان ، كالقولين في مسألة الزحام . ومنها أخذ التقدير بثلاثة أركان مقصودة ، فإن القولين في مسألة الزحام ، إنما هما إذا ركع الإمام في الثانية . وقبل ذلك لا يوافقه ، وإنما يكون التخلف قبله بالسجدتين والقيام . ولم يعتبر الجلوس بين السجدتين على مذهب من يقول : هو غير مقصود ، ولا يجعل التخلف بغير المقصود مؤثرا . وأما من لا يفرق بين المقصود وغيره ، أو يفرق ويجعل الجلوس مقصودا ، أو ركنا طويلا ، فالقياس على أصله ، [ ص: 372 ] التقدير بأربعة أركان أخذا من مسألة الزحام . ولو ، فيتم الفاتحة كبطيء القراءة . وكان هذا في المأموم الموافق . أما المسبوق إذا أدرك الإمام قائما وخاف ركوعه ، فينبغي أن لا يقرأ الاستفتاح ، بل يبادر إلى الفاتحة ، فإن ركع الإمام في أثناء الفاتحة فأوجه . أحدها : يركع معه وتسقط باقي الفاتحة ، والثاني : يتمها . وأصحها : أنه إن لم يقرأ شيئا من الاستفتاح ، قطع الفاتحة وركع ، ويكون مدركا للركعة . وإن قرأ شيئا منه ، لزمه بقدره من الفاتحة لتقصيره . وهذا هو الأصح عند اشتغل المأموم بدعاء الاستفتاح ، فلم يتم الفاتحة لذلك فركع الإمام القفال والمعتبرين ، وبه قال أبو زيد . فإن قلنا : عليه إتمام الفاتحة ، فتخلف ليقرأ كان تخلفا بعذر ، فإن لم يتمها وركع مع الإمام ، بطلت صلاته . وإن قلنا : يركع فاشتغل بإتمامها ، كان متخلفا بلا عذر . وإن سبقه الإمام بالركوع ، وقرأ هذا المسبوق الفاتحة ، ثم لحقه في الاعتدال ، لم يكن مدركا للركعة . والأصح : أنه لا تبطل صلاته إذا قلنا : التخلف بركن لا يبطل كما في غير المسبوق . والثاني : يبطل ، لأنه ترك متابعة الإمام فيما فاتت به ركعة ، فكان كالتخلف بركعة .
ومنها : الزحام ، وسيأتي في الجمعة ، إن شاء الله تعالى .
ومنها : النسيان . فلو لم يجز أن يعود ، لأنه فات محل القراءة ، فإذا سلم الإمام ، قام وتدارك ما فاته . ولو تذكر أو شك بعد أن ركع الإمام ولم يركع هو ، لم تسقط القراءة بالنسيان . وماذا يفعل ؟ وجهان . أحدهما : يركع معه ، فإذا سلم الإمام قام فقضى ركعة ، وأصحهما : يتمها ، وبه أفتى ركع مع الإمام ثم تذكر أنه نسي الفاتحة أو شك في قراءتها القفال . وعلى هذا تخلفه تخلف معذور على الأصح ، وعلى الثاني : تخلف غير معذور لتقصيره بالنسيان .
الحال الثالث : أن [ ص: 373 ] فينظر ؛ إن لم يسبق بركن كامل ، بأن ركع قبل الإمام ، فلم يرفع حتى ركع الإمام - لم تبطل صلاته ، عمدا كان أو سهوا . وفي وجه شاذ : تبطل إن تعمد . فإذا قلنا : لا تبطل ، فهل يعود ؟ وجهان . المنصوص ، وبه قال العراقيون : يستحب أن يعود إلى القيام ويركع معه . والثاني : وبه قطع صاحبا ( النهاية ) و ( التهذيب ) : لا يجوز العود ، فإن عاد بطلت صلاته ، وإن فعله سهوا فالأصح أنه مخير بين العود والدوام . والثاني : يجب العود ، فإن لم يعد بطلت صلاته ، وإن سبق بركنين فصاعدا بطلت صلاته إن كان عامدا عالما بتحريمه . وإن كان ساهيا ، أو جاهلا ، لم تبطل ، لكن لا يعتد بتلك الركعة ، فيأتي بها بعد سلام الإمام ، ولا يخفى بيان التقدم بركنين من قياس ما ذكرناه في التخلف . ومثل أئمتنا العراقيون ذلك بما إذا ركع قبل الإمام ، فلما أراد الإمام أن يركع رفع فلما أراد أن يرفع سجد فلم يجتمعا في الركوع ولا في الاعتدال ، وهذا يخالف ذلك القياس ، فيجوز أن يقدر مثله في التخلف ، ويجوز أن يخص ذلك بالتقدم ، لأن المخالفة فيه أفحش . وإن سبق بركن مقصود ، بأن يتقدم على الإمام بالركوع أو غيره من الأفعال الظاهرة ، فقال ركع قبل الإمام ، ورفع والإمام في القيام ثم وقف حتى رفع الإمام ، واجتمعا في الاعتدال الصيدلاني ، وجماعة : تبطل صلاته . قالوا : فإن سبق بركن غير مقصود كالاعتدال ، بأن اعتدل وسجد ، والإمام بعد في الركوع ، أو سبق بالجلوس بين السجدتين ، بأن رفع رأسه من السجدة الأولى ، وجلس وسجد الثانية والإمام بعد في الأولى ، فوجهان . وقال العراقيون ، وآخرون : التقدم بركن لا يبطل كالتخلف به . وهذا أصح وأشهر . وحكي عن نص رضي الله عنه . هذا في الأفعال الظاهرة ، فأما الشافعي كما تقدم ، وأما الفاتحة والتشهد ، ففي السبق بهما أوجه . الصحيح : لا يضر ، بل يجزئان . والثاني : تبطل الصلاة . والثالث : لا تبطل . ويجب إعادتهما مع قراءة الإمام أو بعدها . تكبيرة الإحرام ، فالسبق بها مبطل