التفاوت الثاني في فيها وفيه مسائل : الصفات التي يؤثر التفاوت
إحداها : مطلق التفاوت لا يؤثر ، بل تقطع اليد البيضاء بالسوداء ، والسليمة بالبرصاء ، ويد الصانع بيد الأخرق .
الثانية : وإن رضي به الجاني ، وإنما الواجب في الطرف الأشل الحكومة ، كما لا يقتل الحر بالعبد ، والمسلم بالذمي وإن رضي الجاني ، فلو خالف المجني عليه ، وقطع الصحيحة ، لم تقع قصاصا ، بل عليه نصف الدية . لا تقطع يد أو رجل صحيحة بشلاء
ولو سرى فعليه [ ص: 193 ] القصاص في النفس ، فإن كان قطع بإذن الجاني ، فلا قصاص عند السراية ، لأنه بإذنه ، ثم ينظر ، إن قال الجاني : اقطع يدي ، وأطلق ، جعل المجني عليه مستوفيا لحقه ، ولم يلزمه شيء .
وإن قال : اقطعها عوضا عن يدك ، أو قصاصا ، فوجهان .
أحدهما وبه قطع البغوي : أن على المجني عليه نصف الدية ، وعلى الجاني الحكومة ، لأنه لم يبذلها مجانا .
والثاني : لا شيء على المجني عليه ، وكأن الجاني أدى الجيد عن الرديء ، وقبضه المستحق .
الثالثة : اليد الشلاء ، والرجل الشلاء ، هل تقطعان بالصحيحتين ؟ وجهان .
أحدهما : لا ، لأن الشرع لم يرد بالقصاص فيها .
والثاني وهو الصحيح الذي عليه الأصحاب : أنه يراجع أهل البصر ، فإن قالوا : لو قطعت لم ينسد فم العروق بالحسم ، ولم ينقطع الدم ، لم تقطع بها ، وتجب دية يده .
وإن قالوا : تنقطع ، فله قطعها ، وتقع قصاصا ، كقتل الذمي بالمسلم ، وليس له أن يطلب بسبب الشلل أرشا .
الرابعة : هل تقطع الشلاء بالشلاء ؟ وجهان .
أحدهما : لا ، لأن الشلل علة ، والعلل يختلف تأثيرها في البدن ، والثاني وهو الصحيح الذي قطع به الجمهور : أنهما إن استويا في الشلل ، أو كان شلل يد القاطع أكثر ، قطعت بها ، والشرط أن لا يخاف نزف الدم كما ذكرنا ، وإن كان الشلل في يد المقطوع أكثر ، لم يقطع بها .
فرع .
قال الشيخ أبو محمد : المراد بالشلل في اليد والرجل زوال الحس والحركة ، وقال الإمام : لا يشترط زوال الحس بالكلية ، وإنما الشلل بطلان العمل .
الخامسة : لا أثر لتفاوت البطش ، بل تقطع يد القوي بيد الشيخ [ ص: 194 ] الذي ضعف بطشه ، لكن لو كان النقص بجناية ، بأن ضرب رجل يده فنقص بطشها ، وألزمناه الحكومة ، ثم قطع تلك اليد كاملة البطش ؛ فقد حكى الإمام أنه لا قصاص ، وأنه لا تجب دية كاملة على الأصح ، وهذا كما سبق أن من صار إلى حالة المحتضر بلا جناية ، لو حز إنسان رقبته ، لزمه القصاص ، ولو انتهى إلى تلك الحالة بجناية ، فلا قصاص على حازه .
السادسة : تقطع يد السليم ورجله بيد الأعسم ورجل الأعرج ، لأنه لا خلل في اليد والرجل ، والعسم : تشنج في المرفق ، أو قصر في الساعد أو العضد .
السابعة : لا اعتبار باخضرار الأظفار واسودادها وزوال نضارتها ، فإنها علة ومرض في الأظفار ، والطرف السليم يستوفى بالعليل ، وأما التي لا أظفار لها ، فالصحيح الذي ذكره العراقيون وغيرهم : أنه لا تقطع بها سليمة الأظفار ، وأنها تقطع بالسليمة .
وكذا حكاه الإمام عنهم ونسبه إلى النص ، لكن عن الشيخ أبي حامد وغيره ، أنه تكمل فيها الدية ، وللإمام احتمال في جريان القصاص وإن عدمت الأظفار .
لأنها زوائد ، ولو لم يجر القصاص لما تمت دية اليد والأصبع الساقط ظفرها ، وقال البغوي : ينقص من الدية شيء .
الثامنة : لا تقطع يد صحيحة بيد فيها أصبع شلاء ، ولا تقطع من الكوع يد مسبحتها شلاء بيد وسطاها شلاء ، فإن استويا في الشلل ، فهما كالشلاوين .
التاسعة : إذا ، فعن قطع سليم اليد يدا شلاء ، ثم شلت يده القفال أنه خرج في الاقتصاص منه قولين ، ثم رجع وقطع بالمنع ، وهو الذي رآه الإمام مذهبا ، والمذكور في " التهذيب " أنه يقتص منه ، وكذا لو قطع يدا ناقصة أصبعا ، ثم سقطت تلك الأصبع من القاطع ، بخلاف [ ص: 195 ] ما لو قطع حر ذمي يد عبد ، ثم نقض العهد ، وسبي واسترق لا يقطع ، ولو قتله لا يقتل ، وفرق بأن القصاص هناك سقط لعدم الكفاءة ، والكفاءة تراعى حال الجناية ، والامتناع هنا لزيادة حسية في يد القاطع والاعتبار فيها بحال الاستيفاء فإذا زالت ، قطع .
ولهذا لو قطع الأشل يدا شلاء ، ثم صحت يد القاطع ، لا يقتص منه لوجود الزيادة عند الاستيفاء ، قال : وكذا اليد ذات الأظفار لا تقطع بما لا أظفار لها .
فلو سقطت أظفار القاطع ، قطعت بها ، والتي لا أظفار لها تقطع بمثلها ، فلو نبتت أظفار القاطع لم تقطع لحدوث الزيادة .
العاشرة : يجب في القصاص ، سواء قطع الذكر والأنثيين معا ، أو قدم الذكر ، أو الأنثيين ، ولو دق خصييه ، ففي " التهذيب " أنه يقتص بمثله إن أمكن ، وإلا وجبت الدية ، ويشبه أن يكون الدق ككسر العظام ، ولو قطع ، أو أشل إحدى الأنثيين وقال أهل البصر : يمكن القصاص من غير إتلاف الأخرى ، اقتص ، وذكر قطع الذكر ، وفي قطع الأنثيين وإشلالها الروياني أن الماسرجسي قال : إنه ممكن وإنه وقع في عهده لرجل من أهل فراوة .
والقول في قطع الذكر الصحيح بالأشل وبالعكس ، والأشل بالأشل على ما ذكرنا في اليد والرجل ، وشلل الذكر أن يكون منقبضا لا ينبسط ، أو منبسطا لا ينقبض ، هذه عبارة الجمهور .
وقيل : هو الذي لا يتقلص في البرد ولا يسترسل في الحر ، وهو بمعنى العبارة الأولى ، ولا اعتبار بالانتشار وعدمه ، ولا بالتفاوت في القوة والضعف ، بل يقطع ذكر الفحل الشاب بذكر الخصي والشيخ والصبي والعنين ، لأنه لا خلل في نفس العضو وإنما تعذر الانتشار لضعف في القلب أو الدماغ وسواء الأقلف والمختون .
الحادية عشرة : تقطع أذن السميع بأذن الأصم وبالعكس ، وهل [ ص: 196 ] تقطع الأذن الصحيحة بالمستحشفة ؟ قولان .
أظهرهما : نعم ، لبقاء الجمال والمنفعة من جمع الصوت ورد الهوام بخلاف اليد الشلاء ، وبيان الاستحشاف يأتي في الديات إن شاء الله تعالى ، وسواء المثقوبة وغيرها إذا كان الثقب للزينة ولم يورث شينا ونقصا .
فإن أورث نقصا فلتكن المثقوبة كالمخرومة ، ولا تقطع صحيحة بمخرومة ، وهي التي قطع بعضها ، ولكن يقطع منها بقدر ما كان بقي من المخرومة ، وهذا إذا قلنا : يجب القصاص في بعض الأذن كما سبق .
فإن شقت ولم يبن منها شيء ، فنقل الإمام عن العراقيين أنه لا تقطع الصحيحة بها أيضا ، لفوات الجمال ، قال : ولست أرى الأمر كذلك لبقاء الجرم بصفة الصحة .
قلت : هذا الذي قاله الإمام ضعيف . والله أعلم .
وتقطع المخرومة بالصحيحة ويؤخذ من الدية بقدر ما ذهب من المخرومة ، وسواء في المثقوبة والمخرومة المرأة والرجل .
الثانية عشرة : ، لأن الشم ليس في جرم الأنف ، وهل يقطع الأنف السليم بالمجذوم ؟ . يقطع أنف الصحيح بأنف الأخشم
قال البغوي : إن كان في حال الاحمرار ، قطع به ، وإن اسود ، فلا قصاص ، لأنه دخل في حد البلى ، وإنما تجب فيه الحكومة ، ولم يفرق الجمهور بين الاحمرار والاسوداد ، وقالوا : يجب القصاص ما لم يسقط منه شيء .
فإن سقط ، لم يقطع به الصحيح ، لكن يقطع منه ما كان بقي من المجني عليه إن أمكن ، وإن كان بأنف الجاني نقص كنقص المجذوم جرى القصاص وفيه وجه ، قال الإمام : هو غلط .
[ ص: 197 ] الثالثة عشرة : لا تؤخذ العين السليمة بالحدقة العمياء ، والصورة القائمة من الحدقة كاليد الشلاء ، وتؤخذ القائمة بالصحيحة إذا رضي المجني عليه ، ويقطع جفن البصير بجفن الأعمى لتساوي الجرمين ، وفقد البصر ليس في الجفن .
الرابعة عشرة : لا يقطع ويجوز العكس برضى المجني عليه ، ويقطع لسان المتكلم بلسان الرضيع إن ظهر فيه أثر النطق بالتحريك عند البكاء وغيره ، وإلا فلا ، فإن بلغ أوان التكلم ولم يتكلم ، لم يقطع به المتكلم . لسان ناطق بأخرس
فرع .
، لم يسقط القصاص ولا الدية عن الجاني ، لأن الحكم يتعلق بالإبانة وقد وجدت ، ثم ذكر قطع أذن شخص ، فألصقها المجني عليه في حرارة الدم فالتصقت والأصحاب رحمهم الله أنه لا بد من قطع الملصق لتصح صلاته ، وسببه نجاسة الأذن إن قلنا : ما يبان من الآدمي نجس ، وإلا فسببه الدم الذي ظهر في محل القطع فقد ثبت له حكم النجاسة فلا تزول بالاستبطان ويجيء فيه ما سبق في كتاب الصلاة في الوصل بعظم نجس . الشافعي
والتفصيل بين أن ينبت اللحم على موضع النجاسة ، أو لا ينبت ، وبين أن يخاف التلف من القطع أو لا يخاف ، ولو قطعها قاطع ، فلا قصاص عليه ، لأنها مستحقة الإزالة ، وإن لم يوجب إزالتها لخوف التلف مثلا .
فلو سرى قطع القاطع إلى النفس ، حكى الإمام عن المحققين أن عليه القصاص ، قال : ولا يبعد خلافه ، ثم هي وإن كانت مستحقة الإزالة فليس للجاني أن يقول : أزيلوها ثم اقطعوا أذني ، لأن إزالتها من باب الأمر بالمعروف لا اختصاص له به ، والنظر في مثله إلى الإمام ، ولو اقتص المجني عليه فألصق الجاني أذنه ، [ ص: 198 ] فالقصاص حاصل بالإبانة ، وأما قطع ما ألصق فلا يختص به المجني عليه ، ولو قطع بعض أذنه ولم يبنه ، ففي القصاص في ذلك القدر خلاف سبق .
وذلك إذا بقي غير ملتصق ، فأما إذا ألصقه المجني عليه ، فالتصق ، فيسقط القصاص والدية عن الجاني ، ويرجع المجني عليه إلى الحكومة ، كالإفضاء إذا اندمل يسقط الدية ، ولذلك نقول : لو جاء رجل وقطع الأذن بعد الالتصاق ، لزمه القصاص ، أو الدية الكاملة ، هذا هو الصحيح المنصوص .
وقيل : لا يسقط القصاص في القدر المقطوع ، كما لا يسقط قصاص الموضحة بالاندمال ، ولا يجب قطع الملصق قبل تمام الإبانة ، وهكذا أطلقوه ، وفيه نظر إن عللنا بظهور الدم .
ولو استأصل أذنه ، وبقيت معلقة بجلدة ، وجب القصاص بلا خلاف ، فلو ألصقها المجني عليه ، لم يجب قطعها ، وفي سقوط القصاص عن الجاني هذا الخلاف .
ولو أبان أذنه ، فقطع المجني عليه بعض أذنه مقتصا ، فألصقه الجاني ، فللمجني عليه أن يعود ، ويقطعه لاستحقاقه الإبانة .
فرع .
ربط السن المقلوعة في مكانها ، وثبوتها ، كإلصاق الأذن المقطوعة فيما ذكرناه .