[ ص: 77 ] الطرف الثالث : في قد سبق أنها تستحق تسلم النفقة كل يوم بطلوع الفجر ، فإذا عجز ، فهل ينجز الفسخ ، أم يمهل ثلاثة أيام ؟ قولان : أظهرهما : الإمهال ، وقطع به جماعة وادعى وقت الفسخ أنه طريقة الجمهور ، فإن قلنا : لا يمهل ثلاثا فوجهان : أحدهما : لها المبادرة إلى الفسخ في أول النهار ، وأقربهما ليس لها المبادرة ، فعلى هذا هل يؤخر الفسخ إلى نصف النهار ، أم إلى آخره ، أم إلى آخر الليلة بعده ؟ فيه احتمالات : أرجحها عند ابن كج الثالث ، ثم هذا إذا لم يتخذ ذلك عادة ، فأما إن اعتاد إحضار الطعام ليلا ، فلها الفسخ ، ويقرب من هذا ما ذكره صاحب " العدة " أنه لو لم يجد النفقة في أول النهار ، وكان يجدها في آخره ، فلها الفسخ على الأصح . فإذا قلنا : لا فسخ في أول النهار ، فلو قال صبيحة اليوم : أنا عاجز لا أتوقع شيئا ، فهل لها الفسخ في الحال لتصريحه بالعجز ، أم يلزم التأخير ، فقد يرزق من حيث لا يحتسب ؟ فيه احتمالان : أرجحهما : الثاني . أما المذهب وهو الإمهال ثلاثة أيام ، فيتفرع عليه مسألتان : إحداهما : إذا مضت الثلاثة فلها الفسخ صبيحة الرابع إن لم يسلم نفقته ، وإن سلمها ، لم يجز الفسخ لما مضى ، وليس لها أن تقول : آخذ هذا عن نفقة بعض الأيام الثلاثة ، وأفسخ بتعذر نفقة اليوم ، لأن الاعتبار في الأداء بقصد المؤدي ، فلو توافقا على جعلها عما مضى ، فيحتمل أن يقال : لها الفسخ ، ويحتمل أن تجعل القدرة عليها مبطلة للمهلة ، ولو مضى يومان بلا نفقة ، ووجد نفقة الثالث ، وعجز في الرابع ، فهل تستأنف المدة ، أم يبنى فتصير يوما آخر فقط ؟ وجهان : أصحهما البناء ، ولو لم يجد نفقة يوم ووجد نفقة الثاني ، وعجز في الثالث ، وقدر في الرابع ، لفقت أيام العجز فإذا تمت مدة المهلة ، فلها الفسخ ، ولو مضت ثلاثة أيام في العجز ، ووجد نفقة الرابع ، وعجز في الخامس ، فالأصح وبه [ ص: 78 ] قال الغزالي الداركي : أن لها الفسخ ، ويكفي الإمهال السابق ، قال الروياني : وقيل : يمهل مرة أخرى إن لم تتكرر .
المسألة الثانية : يجوز لها الخروج في مدة الإمهال لتحصيل النفقة بكسب أو تجارة أو سؤال ، وليس له منعها من الخروج ، وقيل : له منعها ، وقيل : إن قدرت على الإنفاق بمالها ، أو كسب في بيتها كالخياطة والغزل ، فله منعها ، وإلا فلا ، والصحيح المنصوص أنه ليس له منعها مطلقا ، لأنه إذا لم يوف ما عليه لا يملك الحجر . قال الروياني : وعليها أن تعود إلى منزله بالليل . ولو أراد الاستمتاع بها قال الروياني : ليس لها المنع ، وقال البغوي : لها المنع وهو أقرب ، ولا شك أنها إذا منعت نفسها منه لا تستحق نفقة مدة الامتناع ، فلا تثبت دينا عليه .
فرع
إذا قلنا بالإمهال ، فمضت المدة ، فرضيت بإعساره والمقام معه ، أو لم نقل بالإمهال ، فرضيت ثم أرادت الفسخ ، فلها الفسخ ، لأن الضرر متجدد ولا أثر لقولها : رضيت بإعساره أبدا ، لأنه وعد لا يلزم الوفاء به ، ولو نكحته عالمة بإعساره ، فلها الفسخ أيضا ، وإذا عادت إلى طلب الفسخ بعد الرضا ، جدد الإمهال على قولنا : يمهل ، ولا يعتد بالماضي ، وفيه احتمال للإمام وهو ضعيف ، وإذا اختارت المقام معه ، لم يلزمها التمكين من الاستمتاع ، ولها الخروج من المنزل ذكره والروياني البغوي وغيره ، فإن لم تمنع نفسها منه ، ثبت في ذمته ما يجب على المعسر من الطعام والأدم وغيرهما ، وخروجها بالنهار للاكتساب لا يوجب نقصان ما يثبت في ذمته .
فرع
إذا ، فليس لها ، لأن الضرر لا يتجدد هكذا أطلقه [ ص: 79 ] الجمهور ، وهو المذهب ، وقال أعسر بالمهر ، ومكنها الحاكم من الفسخ ، فرضيت بالمقام معه ، ثم أرادت الفسخ الماوردي : إن كانت المحاكمتان معا قبل الدخول ، أو بعده ، فكذلك ، وإن كانت المحاكمة الأولى قبل الدخول ، والأخرى بعده ، فوجهان : وجه تجويز الفسخ أن بالدخول استقر ما لم يكن مستقرا ، فالإعسار به يجدد خيارا ، ولو ، فليس لها الفسخ على الأصح ، كما لو رضيت به في النكاح ، ثم بدا لها ، بخلاف النفقة ، وليس لها الامتناع بعد الدخول إذا مكناها من الفسخ ، واختارت المقام ، ولا بد في الإعسار بالمهر من حكم القاضي كالنفقة ، والخيار فيه بعد المرافعة على الفور ، فلو أخرت الفسخ ، سقط ، ولو علمت إعساره ، وأمسكت عن المحاكمة ، فإن كان كذلك بعد طلبها المهر ، كان رضا بالإعسار ، وسقط خيارها ، وإن كان قبل المطالبة ، لم يسقط ، فقد تؤخر المطالبة لتوقع اليسار ، ذكره نكحته عالمة بإعساره بالصداق الروياني .