فصل
إذا ، فسيأتي - إن شاء الله تعالى - أن المرتضع يصير ابنا للرجل كما يصير ابنا للمرأة ، واختار كان لبن المرأة لرجل ابن بنت الشافعي أنه [ ص: 10 ] لا يصير ، والصواب الأول . فإذا لم يصرن أمهاته ، وهل يصير الرجل أباه ؟ وجهان ، قال كان للرجل خمس مستولدات ، أو أربع زوجات ومستولدة ، فأرضعت كل واحدة طفلا رضعة الأنماطي وابن سريج وابن الحداد : لا ، وأصحهما - وبه قال أبو إسحاق وابن القاص - : نعم ، لأنه لبنه ، وهن كالظروف له ، فعلى هذا تحرم المرضعات على الطفل لا بالرضاع ، بل لأنهن موطوءات أبيه ، ولو لم ينفسخ نكاح الصغيرة على الوجه الأول ، وينفسخ على الثاني ، وهو الأصح ، ولا غرم عليهن ، لأنه لا يثبت له دين على مملوكه ، ولو كان تحته صغيرة وله خمس مستولدات ، فأرضعتها كل واحدة رضعة بلبنه فانفساخ نكاح الصغيرة على الوجهين ، وأما غرامة مهرها ، فإن أرضعن مرتبا ، فالانفساخ يتعلق بإرضاع الأخيرة فإن كانت مستولدة ، فلا شيء عليها ، وإن كانت زوجة ، فعليها الغرم ، وإن أرضعته معا بأن أخذت كل واحدة لبنها في مسعط ، وأوجرته معا ، فلا شيء على المستولدتين وعلى النسوة ثلاثة أخماس الغرم ، ولا ينفسخ نكاح النسوة لأنهن لم يصرن أمهات الصغيرة . ولو أرضع نسوته الثلاث ومستولدتاه زوجته الصغيرة ، أو كان له ثلاث مستولدات ، فأرضعت إحداهن الطفل بلبنه ثلاث رضعات ، والباقيتان رضعة رضعة ، جرى الخلاف في مصيره أبا ولا يصرن أمهات ، وعلى هذا قياس سائر نظائرها . ولو كان له أربع ، فأرضعت إحداهن طفلا رضعتين ، وأرضعته الباقيات رضعة رضعة ، لم يصرن أمهاته ، ولا أزواجهن آباءه ، وكذا لا تثبت الحرمة بين الرضيع والرجل على المذهب ، وقيل : بطرد الوجهين ، فإن أثبتنا الحرمة ، قال كان لرجل أو امرأة خمس بنات أو أخوات ، فأرضعت كل واحدة طفلا رضعة البغوي : تحرم المرضعات على الرضيع لا لكونهن [ ص: 11 ] أمهات ، بل لكون البنات أخواته وكون الأخوات عماته ، ولك أن تقول إنما يصح كون البنات أخواته والأخوات عماته لو كان الرجل أبا ، والحرمة هنا إذا ثبتت إنما هي لكونه جدا لأم أو خالا ، وفيه وضع بعضهم الخلاف ، فقال : في مصيره جدا لأم أو خالا وجهان ، فينبغي أن يقال : يحرمن لكونهن كالخالات ، وذلك لأن بنت الجد للأم إذا لم تكن أما ، كانت خالة ، وكذلك أخت الخال . ولو ، فإن قلنا : لا يثبت التحريم في الصورة الثانية ، فهنا أولى ، وإلا فالأصح أيضا أن لا تحريم لأن هناك يمكن نسبة الرضيع إليه بكونه ابن ابن ، ونسبته إلى الرضيع بكونه جدا ، وهنا لا يمكن لاختلاف الجهات ، ولا يجوز أن يكون بعضه أخا وبعضه ولد بنت ، وعن كان لرجل أم وبنت وأخت وبنت أخ لأب ، وبنت أخت لأب ، فارتضع طفل من كل واحدة رضعة : إثبات الحرمة ، فعلى هذا تحرم المرضعات على الرضيع لا بالأمومة بل بجهات ، فأم الرجل كأنها زوجة أبيه ، لأن لبنها من أبي الرجل ، والرضيع كولده ، وبنت الرجل بنت ابن أبيه ، فتكون بنت أخيه ، وأخت الرجل بنت أبيه ، فتكون أخته ، وبنت أخي الرجل بنت ابن أبيه ، فتكون بنت أخيه ، وبنت أخت الرجل بنت أخته أيضا . ابن القاص
ولو كان بدل إحدى هؤلاء المرضعات زوجة أو جدة كان الحكم كما ذكرنا . ولو أرضعت كل واحدة من هؤلاء زوجة الرجل رضعة ، فانفساخ نكاحه على الوجهين ، فإن قلنا : ينفسخ ، فإن أرضعن مرتبا ، غرمت الأخيرة للزوج ، وإن أرضعن معا ، اشتركن فيه ، فإن اختلف عدد الرضعات بأن كن ثلاثا فأرضعت واحدة رضعتين ، وأخرى كذلك ، والثالثة رضعة ، فهل يغرمن أثلاثا على عدد الرءوس ، أم أخماسا على عدد الرضعات ؟ وجهان ، وجميع ما ذكرناه هو فيما إذا أرضعت النسوة الخمس في أوقات متفاصلة ، فإن أرضعن متواليا ، وحكمنا بالحرمة [ ص: 12 ] في المتفاصل فهنا وجهان : قال : لا يثبت ، لأنهن كالمرأة الواحدة بالنسبة إلى الرجل ، وإرضاع المرأة إنما يحرم إذا تفرقت أوقاته ، وأصحهما : التحريم لتعدد المرضعات ، فعلى الأول لو أرضعن متواليا ، ثم أرضعته إحداهن أربع رضعات ، صارت أما له على الأصح ، لأنه ارتضع منها خمسا متفاصلة ، وقيل : لا ، لأن تلك الرضعة لم تكن تامة ، ويجري هذا الخلاف في انتقال الرضيع من ثدي امرأة إلى ثدي أخرى ، فعلى وجه لا يحسب لواحدة منهما رضعة ، وعلى الأصح : يحسب لكل واحدة رضعة ، لأن الاشتغال بالارتضاع من الأخرى قطع الارتضاع من الأولى ، فصار كالاشتغال بشيء آخر ، ويقرب منه خلاف فيما لو ارتضع في الحولين أربع رضعات ، وتم الحولان في خلال الرضعة الخامسة ، ففي وجه لا يثبت التحريم ، لأنها لم تتم في الحولين ، والأصح : ثبوته لأن ما يصل إلى الجوف في كل رضعة غير مقدر ، وذكر ابن القاص أنه لو ابن كج ، وجهين في ثبوت التحريم كالوجهين فيما لو قطعت المرضعة . كان يرتضع الرضعة الخامسة ، فمات : أو ماتت المرضعة قبل أن يتمها
فرع
، فلا تحرم على زيد على الأصح ، وحرمها لزيد ابن ، وابن ابن ، وأب ، وجد ، وأخ ، ارتضعت صغيرة من زوجة كل واحد منهم رضعة على زيد ، فعلى هذا تحرم على أبيه دون الابن وابن الابن ، لأنها بارتضاع لبن أخي زيد تكون بنت عم لابن ، وبنت العم لا تحرم ، ومتى كان في الخمسة من لا يقتضي لبنه تحريما ، فلا تحريم . ابن القاص
، [ ص: 13 ] ففي تحريم الصغيرة على الإخوة الوجهان : الأصح : المنع . خمسة إخوة ارتضعت صغيرة من لبن زوجة كل واحد رضعة ، ففي مصير المرأة جدة للرضيع الوجهان ، فإن قلنا : نعم ، ففي تحريم المرضعات على الطفل وجهان : أحدهما : لا لعدم العدد ، والثاني : أن الرضعات من الجهات تجمع ، إن كانت كل واحدة منها بحيث لو تم العدد منها ثبت التحريم ، فعلى هذا ينظر إن كانت الوسطى بنت أخي العليا ، والسفلى بنت أخي الوسطى ، حرمت العليا عليه ، لأن إرضاعها لو تم لكان الطفل ابنها ، وإرضاع الوسطى لو تم لكان الرضيع ابن بنت أخي العليا ، وإرضاع السفلى لو تم لكان للعليا ابن بنت ابن أخ . وهذه الجهات محرمة فتجمع ما فيها من عدد الرضعات . وإن كانت الوسطى بنت ابن عم العليا ، والسفلى بنت ابن ابن عمها ، لم تحرم العليا ، لأن إرضاع الوسطى لو تم ، لكان الرضيع للعليا ابن بنت ابن عم ، وإرضاع السفلى لو تم ، لكان لها ابن بنت ابن ابن العم ، وذلك لا يقتضي التحريم ، وأما الوسطى والسفلى ، فلا تحرمان عليه بحال ، لأن إرضاع العليا لو تم ، لكان للوسطى ابن العمة ، وللسفلى ابن عمة الأب . ولو أرضعته إحداهن خمس رضعات ، حرمت هي عليه ، وحرمت التي فوقها إذا كانت المرضعة بنت أخي التي فوقها ، لأنها تكون عمة أمه . امرأة لها بنت ابن ، وبنت ابن ابن ، وبنت ابن ابن ابن ، أرضعت العليا طفلا ثلاث رضعات ، والأخريان رضعة رضعة
فرع
، ثبت لكل واحدة رضعة ، ولو شربه مرتين ، فهل يحسب لكل واحدة رضعتان اعتبارا بوصول اللبن ، أم رضعة اعتبارا بالحلب ؟ وجهان ، وهو كما سبق فيما لو حلب لبن نسوة ، وخلط ، وشربه الطفل دفعة أو دفعات . وأما بين الرضيع والزوج ، فإن لم نجمع في [ ص: 14 ] حق الزوج رضعات زوجاته ، ثبت له رضعة واحدة ، وإن جمعنا ونظرنا إلى الحلب ، ثبت له رضعتان ، وإن نظرنا إلى وصول اللبن ثبت أربع رضعات . له زوجتان حلبت كل واحدة من لبنها دفعة ، ثم خلطا ، وشربه طفل دفعة
فرع
كان ، قال له أربع نسوة وأمة موطوءات ، أرضعت كل واحدة طفلة بلبن غيره رضعة تفريعا على ثبوت الأبوة : لو أرضعته بلبنه تحرم الطفلة عليه ، لأنها ربيبته ، وإن كان فيهن من لم يدخل بها ، لم تحرم عليه ، لما سبق أنه متى كان فيهن من لو انفردت بالرضعات الخمس ، لم تثبت الحرمة ، لا يثبت التحريم . ابن القاص