مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " أو ماء زعفران أو عصفر " .
قال الماوردي : اعلم أن طاهر كماء الورد والخل ، فإن لم يؤثر في تغير الماء جاز استعماله في الحدث والنجس إلا أن يكون المائع المخالط أكثر ، وإن غير أحد أوصاف الماء من لون أو طعم أو رائحة لم يجز استعماله في حدث ولا نجس ، وجوز كل ما خالطه مذرور طاهر كالزعفران والعصفر والحناء ، أو خالط المائع أبو حنيفة استعماله في الأنجاس على أصله ، وفي الأحداث أيضا ما لم يحترز بالمذرور فيخرج عن طبعه في الجريان وما لم يكن المائع أكثر استدلالا بأن ما كان طاهرا إذا غلب على الماء لم يمنعه حكم التطهير ، [ ص: 47 ] كالتراب ، ولأن كل ما لم يسلبه التراب حكم التطهير لم يسلبه غيره من المذرورات حكم التطهير ، كما الذي لم يتغير بالمخالطة ، ولأن كل تغير لو كان لطول المكث لو يمنع من التطهير ، وجب إذا كان بالمخالطة أن لا يمنع من التطهير كالملوحة .
ودليلنا هو أنه ما تغير بمخالطة ما يستغنى عنه فوجب أن يمنع من التطهير به كماء الباقلاء ولأنه ما تغير بمخالطة مأكول فوجب أن يمنع جواز التطهر به كالمرق ، ولأن المذرورات تنقسم ثلاثة أقسام : قسم موافق للماء في الطهارة والتطهير وهو التراب ، فإذا غلب على الماء لم يسلبه واحدة من صفتيه لا الطهارة ولا التطهير لموافقته لهما فيهما .
وقسم مخالف للماء في الطهارة والتطهير وهو النجاسة فإذا غلب على الماء سلبه الوصفين معا الطهارة والتطهر ، لمخالفته له فيهما جميعا .
وقسم موافق الماء في الطهارة دون التطهير وهو الزعفران وما شاكله ، فإذا غلب على الماء وجب أن يسلبه الصفة التي يخالفه فيها وهو التطهير دون الصفة التي وافقه فيها وهو الطهارة ، وهذا الاستدلال يمنع من جمعهم بين التراب وسائر المذرورات ، وأما قياسهم على ما لم يتغير ، فالمعنى فيه فقد الغلبة بعدم التأثير .
وأما قياسهم على الملوحة فغير مسلم ، وسنذكر المذهب فيما تغير بالملح .