مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " وأما فصلاة المنفرد أحب إلي منه ، ورأيتهم قيام شهر رمضان بالمدينة يقومون لتسع وثلاثين ، وأحب إلي عشرون ، لأنه روي عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، وكذلك يقومون بمكة ويوترون بثلاثة " .
قال الماوردي : أما الأصل في قيام شهر رمضان ، وهي صلاة التراويح ما روي وكان أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الناس في أول ليلة من شهر رمضان فجمعهم وصلى بهم ، ثم خرج إليهم في الليلة الثانية ، فجمعهم ، وصلى بهم ، فلما كان الليلة الثالثة انتظروه فلم يخرج إليهم ، فصلوا متفرقين ، فلما أصبحوا قال صلى الله عليه وسلم : " قد علمت باجتماعكم ، وإنما تأخرت لأني خفت أن تفرض عليكم أبي بن كعب بعد ذلك في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر ، وأول خلافة عمر ، رضي الله عنهما ، يجمع الناس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي بهم العشر الأول ، والعشر الثاني ، ويتخلى لنفسه في العشر الثالث ، إلى أن قررها عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، وجمع الناس عليها ، وكان السبب فيه ما روي أن الناس كانوا يصلون في المسجد ، فإذا [ ص: 291 ] سمعوا قراءة طيبة تبعوا ، فقال عمر ، رضي الله عنه ، جعلتم القرآن أغاني ، فجمعهم إلى أبي ، فصارت سنة قائمة ، ثم عمل بها عثمان ، وعلي ، رضي الله عنهما ، والأئمة في سائر الأعصار ، وهي من أحسن سنة سنها إمام .
فإذا تقرر هذا وثبت ، فالذي أختار ، كل ترويحة شفعان ، كل شفع ركعتان بسلام ، ثم يوتر بثلاث : لأن عشرون ركعة : خمس ترويحات عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه جمع الناس على أبي بن كعب ، فكان يصلي بهم عشرين ركعة جرى به العمل وعليه الناس بمكة .
قال الشافعي : " ورأيتهم بالمدينة يقومون بست وثلاثين ركعة بسبع ترويحات ، ويوترون بثلاث " ، وإنما خالفوا أهل مكة في ذلك ، وزادوا في عدد ركعاتهم : لأن أهل مكة كانوا إذا صلوا ترويحة طافوا سبعا إلا الترويحة الخامسة ، فإنهم يوترون بعدها ، ولا يطوفون فيحصل لهم خمس ترويحات ، وأربع طوافات ، فلما لم يمكن أهل المدينة مساواتهم في الطواف الأربع ، وقد ساووهم في الترويحات الخمس جعلوا مكان أربع طوافات أربع ترويحات زوائد ، فصار لهم تسع ترويحات ، تكون ستا وثلاثين ركعة لتكون صلاتهم مساوية لصلاة أهل مكة وطوافهم ، وقيل : بل كان السبب فيه أن عبد الملك بن مروان كان له تسع أولاد ، فأراد أن يصلي جميعهم بالمدينة ، فقدم كل واحد منهم ، فصلى ترويحة ، فصارت سنة ، وقيل : بل كان السبب فيه أن تسع قبائل حول المدينة سارعوا إلى الصلاة ، واقتتلوا ، فقدم كل قبيلة رجلا ، فصلى بهم ترويحة ، ثم صارت سنة ، والأول أصح .
فأما قول الشافعي : " وقيام شهر رمضان فصلاة المنفرد أحب إلي منه " ففيه تأويلان :
أحدهما : أنه أراد بذلك أن قيام شهر رمضان وإن كان في جماعة ففي النوافل التي تفعل فرادى ما هو أوكد منه ، وذلك الوتر ، وركعتا الفجر ، وهذا قول أبي العباس بن سريج .
والتأويل الثاني : أن أفضل إذا لم يكن في انفراده تعطيل الجماعة ، فهو قول أكثر أصحابنا ، وإنما كان ذلك كذلك ، لرواية صلاة المنفرد في قيام شهر رمضان زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : . صلوا في بيوتكم ، فإن صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في المسجد إلا المكتوبة
فأما إن تعطلت الجماعة بانفراده ، فصلاته جماعة أفضل لما في تعطيلها من إطفاء نور المساجد ، وترك السنة المأثورة .