[ ص: 278 ] باب صلاة التطوع وقيام شهر رمضان
قال
الشافعي ، رضي الله عنه : " الفرض خمس في اليوم والليلة ، لقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي حين قال : هل علي غيرها ؟ قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921546لا إلا أن تطوع " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال يتضمن هذا الفصل الخلاف في
nindex.php?page=treesubj&link=1232صلاة الوتر فعند
الشافعي أنها سنة ، وبه قال الفقهاء كافة .
وقال
أبو حنيفة : الوتر واجب .
قال
ابن المنذر ، ولم يذهب إلى هذا غير
أبي حنيفة .
واستدل من نصر قوله برواية
خارجة بن حذافة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921547إن الله سبحانه أمركم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم وهي الوتر جعلها بين العشاء والفجر .
وبرواية
عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921548إن الله عز وجل زادكم صلاة هي خير لكم من حمر النعم ألا وهي الوتر حافظوا عليها .
قالوا : وفيه دليلان :
أحدهما : إخباره صلى الله عليه وسلم أن الزيادة من جهة الله عز وجل ، والوارد من جهته واجب .
والثاني : أن الزيادة تضاف إلى شيء محصور ، والنوافل غير محصورة فدل أنها مضافة إلى الفرائض المحصورة .
[ ص: 279 ] وبرواية
عبد الله بن بريدة ، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921549الوتر حق ، فمن لم يوتر فليس منا ، من لم يوتر فليس منا ، من لم يوتر فليس منا .
قالوا : فنفى
nindex.php?page=treesubj&link=1232_28218تارك الوتر عن الملة ، فدل على وجوبه ليستحق هذه الصفة بتركه .
وبرواية
علي بن أبي طالب ، عليه السلام ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921550إن الله وتر يحب الوتر فأوتروا يا أهل القرآن .
وهذا أمر .
وبرواية
أبي أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921551الوتر حق على كل مسلم " ولفظه على لفظة وجوب .
وبرواية في بعض الأخبار : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=921552الوتر حق واجب على كل مسلم " ، ولأنها صلاة وتر فوجب أن تكون واجبة كالمغرب .
والدلالة على أن الوتر سنة قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=238حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى [ البقرة : 238 ] ، فلو كانت الوتر واجبة لكانت ستا ، والست لا تصح أن يكون لها وسطى ، فعلم أنها خمس وروى
الشافعي ، عن
مالك ، عن عمه أبي سهيل بن
مالك ، عن أبيه ، عن
طلحة بن عبيد الله ، رضي الله عنه ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=921553أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال : ما الإسلام قال : خمس صلوات في اليوم والليلة ، قال : فهل علي غيرها ؟ قال : لا ، إلا أن تطوع . فقال : والله لا أزيد عليها ولا أنقص منها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أفلح إن صدق فكان في هذا الخبر ثلاثة أدلة :
أحدها : أنه سأله عن الفرض الذي عليه فقال صلى الله عليه وسلم : "
خمس في اليوم والليلة " ، ولم يقل : ست .
والثاني : قوله : " هل علي غيرها ؟ " . فقال صلى الله عليه وسلم : " لا " ، فنفى عنه وجوب غيرها ، ثم أكد النفي بقوله صلى الله عليه وسلم : " إلا أن تطوع " .
والثالث : قول الأعرابي : "
والله لا أزيد عليها ، ولا أنقص منها " ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أفلح إن صدق " ، فلو كان الوتر واجبا لم يكن بتركه مفلحا .
[ ص: 280 ] وروى
عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
إن الله تعالى وتر يحب الوتر ، فأوتروا يا أهل القرآن ، فقام أعرابي ، فقال : هل تجب علي يا رسول الله ؟ فقال : إنها ليست لك ولا لقومك فلو كان الوتر واجبا لعم وجوبه جميع الناس كالصلوات الخمس .
وروى
عبد الله بن محيريز أن
المخدجي سمع رجلا
بالشام يدعى
بأبي محمد يقول : إن الوتر واجب ، قال
المخدجي : فوجدت
عبادة بن الصامت ، فقلت : إن
أبا محمد الأنصاري يزعم أن الوتر واجب فقال : كذب
أبو محمد ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=921555خمس كتبهن الله على عباده ، فمن أتى بهن ، ولم يضيع منهن شيئا استخفافا بهن كانت له على الله عز وجل عهد أن يدخله الجنة ، ومن لم يأت بهن لم يكن له على الله عز وجل عهد ، فإن شاء عذبه ، وإن شاء غفر له وروى
الزهري ، عن
أنس بن مالك حديث المعراج قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921556لما عرج النبي صلى الله عليه وسلم فرض على أمته خمسون صلاة ، فقال له موسى ، عليه السلام : سل ربك التخفيف لأمتك قال : فترددت بين يدي الله عز وجل ، حتى ردها إلى خمس ، وسمعت مناديا ينادي إلا أني قد مضيت فريضتي ، وخففت عن عبادي ، وجعلت لهم بكل حسنة أمثالها : nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=29ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد [ ق : 29 ] .
وروى
عكرمة ، عن
ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
كتب علي الوتر ولم تكتب عليكم ، وكتبت علي الأضحية ، ولم تكتب عليكم ولأنها صلاة لم يسن لها الأذان ، فوجب أن لا تكون واجبة على الكافة ابتداء بأصل الشرع قياسا على سائر النوافل ، ولأن الصلوات ضربان فرض ، ونفل ، فلما كان في جنس الفرض وتر وجب أن يكون في جنس النفل وتر كالفرائض .
وتحرير ذلك قياسا : أنه أحد نوعي الصلاة فوجب أن يكون في جنسه وتر كالفرائض ، ولأنها صلاة من سننها أن تكون تبعا لغيرها فوجب أن تكون نفلا قياسا على الركعتين بعد الظهر ، ولأنها صلاة لا يكفر جاحدها ، ولا يفسق تاركها ، ولا يقتل من توانى عنها ، فكانت بالنوافل أشبه لاشتراكهما فيما ذكرنا .
فأما الاحتجاج عن جوابهم بقوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى أمركم " فهو أن يقال لا حجة لهم فيه : لأن الله عز وجل أمرنا بصلاة النفل كما أمرنا بالواجب .
[ ص: 281 ] وأما قوله صلى الله عليه وسلم : " زادكم " فهو دليلنا ، لأنه زاد لنا لا علينا ، وقولهم الزيادة لا تكون إلا على محصور ، فيقال لهم : النوافل ضربان : مؤكدة ، وغير مؤكدة ، فالمؤكدة محصورة القدر ، كركعتي الفجر ، والنوافل الموظفات قبل الصلوات وبعدها على أن من أصلهم أنها غير مزيدة على شيء ، لأنها ليست عندهم فرضا تزاد على الوظائف ، ولا نفلا تزاد على النوافل فسقط من حيث أوردوه .
وأما حديث
ابن بريدة ، وقوله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=921558من لم يوتر فليس منا " فمتروك الظاهر بإجماع : لأن
nindex.php?page=treesubj&link=1232_28218تارك الوتر لا يكون كافرا خارجا عن الملة ، فاحتجنا وإياهم إلى تأويل يحمل عليه ظاهر الحديث ، ونحن أقدر على تأويله منهم ، فنقول : معناه من لم يوتر معتقدا أنها غير سنة ، فليس منا على أن هذه اللفظة قد تستعمل في ترك المندوب إليه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921559من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا فليس منا وتوقير الكبير مندوب إليه وليس بواجب .
وأما حديث
علي رضي الله عنه ففيه جوابان :
أحدهما : أن قوله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=921560إن الله عز وجل وتر يحب الوتر " فلا يدل على وجوبه ، وإنما يدل على فعله واستحبابه .
والثاني : أن في تخصيص أهل القرآن به .
وقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي : "
إنها ليست لك ، ولا لقومك " دليل على كونه سنة وندبا .
وأما حديث
أبي أيوب فقد روينا عنه في الخبر أنه صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=921551الوتر حق مسنون على كل مسلم " ، فسقط الاستدلال به .
وأما قياسهم على المغرب ، فالمعنى فيه : أنها صلاة سن لها أذان ، وإقامة ، ثم يقال
لأبي حنيفة : ما تعم البلوى به لا يثبت على أصلك بالقياس ، ولا بخبر الواحد وليس معك فيه تواتر ، فلم أثبت وجوبه ، وفيه مخالفة أصلك ، فإن ذكر جوابا كان توقيفا واعتذارا تفضحه السير - والله أعلم - .
[ ص: 278 ] بَابُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَقِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ
قَالَ
الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " الْفَرْضُ خَمْسٌ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَعْرَابِيِّ حِينَ قَالَ : هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا ؟ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921546لَا إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ " .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ يَتَضَمَّنُ هَذَا الْفَصْلُ الْخِلَافَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=1232صَلَاةِ الْوِتْرِ فَعِنْدَ
الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا سُنَّةٌ ، وَبِهِ قَالَ الْفُقَهَاءُ كَافَّةً .
وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : الْوِتْرُ وَاجِبٌ .
قَالَ
ابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَلَمْ يَذْهَبْ إِلَى هَذَا غَيْرُ
أَبِي حَنِيفَةَ .
وَاسْتَدَلَّ مَنْ نَصَرَ قَوْلَهُ بِرِوَايَةِ
خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921547إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَمَرَكُمْ بِصَلَاةٍ هِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ وَهِيَ الْوِتْرُ جَعَلَهَا بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ .
وَبِرِوَايَةِ
عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921548إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ زَادَكُمْ صَلَاةً هِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ أَلَا وَهِيَ الْوِتْرُ حَافِظُوا عَلَيْهَا .
قَالُوا : وَفِيهِ دَلِيلَانِ :
أَحَدُهُمَا : إِخْبَارُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الزِّيَادَةَ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَالْوَارِدُ مِنْ جِهَتِهِ وَاجِبٌ .
وَالثَّانِي : أَنَّ الزِّيَادَةَ تُضَافُ إِلَى شَيْءٍ مَحْصُورٍ ، وَالنَّوَافِلَ غَيْرُ مَحْصُورَةٍ فَدَلَّ أَنَّهَا مُضَافَةٌ إِلَى الْفَرَائِضِ الْمَحْصُورَةِ .
[ ص: 279 ] وَبِرِوَايَةِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921549الْوِتْرُ حَقٌّ ، فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا ، مَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا ، مَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا .
قَالُوا : فَنَفَى
nindex.php?page=treesubj&link=1232_28218تَارِكَ الْوِتْرِ عَنِ الْمِلَّةِ ، فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهِ لِيَسْتَحِقَّ هَذِهِ الصِّفَةَ بِتَرْكِهِ .
وَبِرِوَايَةِ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921550إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ فَأَوْتِرُوا يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ .
وَهَذَا أَمْرٌ .
وَبِرِوَايَةِ
أَبِي أَيُّوبَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921551الْوِتْرُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ " وَلَفْظُهُ عَلَى لَفْظَةِ وُجُوبٍ .
وَبِرِوَايَةٍ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=921552الْوِتْرُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ " ، وَلِأَنَّهَا صَلَاةُ وِتْرٍ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً كَالْمَغْرِبِ .
وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ سُنَّةٌ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=238حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى [ الْبَقَرَةِ : 238 ] ، فَلَوْ كَانَتِ الْوِتْرُ وَاجِبَةً لَكَانَتْ سِتًّا ، وَالسِّتُّ لَا تَصِحُّ أَنْ يَكُونَ لَهَا وُسْطَى ، فَعُلِمَ أَنَّهَا خَمْسٌ وَرَوَى
الشَّافِعِيُّ ، عَنْ
مَالِكٍ ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ
مَالِكٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ
طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=921553أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَ : مَا الْإِسْلَامُ قَالَ : خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ، قَالَ : فَهَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا ؟ قَالَ : لَا ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ . فَقَالَ : وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَيْهَا وَلَا أَنْقُصُ مِنْهَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ فَكَانَ فِي هَذَا الْخَبَرِ ثَلَاثَةُ أَدِلَّةٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنِ الْفَرْضِ الَّذِي عَلَيْهِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
خَمْسٌ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ " ، وَلَمْ يَقُلْ : سِتٌّ .
وَالثَّانِي : قَوْلُهُ : " هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا ؟ " . فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا " ، فَنَفَى عَنْهُ وُجُوبَ غَيْرِهَا ، ثُمَّ أَكَّدَ النَّفْيَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ " .
وَالثَّالِثُ : قَوْلُ الْأَعْرَابِيِّ : "
وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَيْهَا ، وَلَا أَنْقُصُ مِنْهَا " ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ " ، فَلَوْ كَانَ الْوِتْرُ وَاجِبًا لَمْ يَكُنْ بِتَرْكِهِ مُفْلِحًا .
[ ص: 280 ] وَرَوَى
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ ، فَأَوْتِرُوا يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ ، فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ ، فَقَالَ : هَلْ تَجِبُ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : إِنَّهَا لَيْسَتْ لَكَ وَلَا لِقَوْمِكَ فَلَوْ كَانَ الْوِتْرُ وَاجِبًا لَعَمَّ وُجُوبُهُ جَمِيعَ النَّاسِ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ .
وَرَوَى
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَيْرِيزٍ أَنَّ
الْمُخْدِجِيَّ سَمِعَ رَجُلًا
بِالشَّامِ يُدْعَى
بِأَبِي مُحَمَّدٍ يَقُولُ : إِنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ ، قَالَ
الْمُخْدِجِيُّ : فَوَجَدْتُ
عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ ، فَقُلْتُ : إِنَّ
أَبَا مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ فَقَالَ : كَذَبَ
أَبُوِ مُحَمَّدٍ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=921555خَمْسٌ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ ، فَمَنْ أَتَى بِهِنَّ ، وَلَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِهِنَّ كَانَتْ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدٌ ، فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَرَوَى
الزُّهْرِيُّ ، عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ حَدِيثَ الْمِعْرَاجِ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921556لَمَّا عَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُرِضَ عَلَى أُمَّتِهِ خَمْسُونَ صَلَاةً ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى ، عَلَيْهِ السَّلَامُ : سَلْ رَبَّكَ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ قَالَ : فَتَرَدَّدْتُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، حَتَّى رَدَّهَا إِلَى خَمْسٍ ، وَسَمِعْتُ مُنَادِيًا يُنَادِي إِلَّا أَنِّي قَدْ مَضَيْتُ فَرِيضَتِي ، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي ، وَجَعَلْتُ لَهُمْ بِكُلِّ حَسَنَةٍ أَمْثَالَهَا : nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=29مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [ ق : 29 ] .
ورَوَى
عِكْرِمَةُ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
كُتِبَ عَلَيَّ الْوِتْرُ وَلَمْ تُكْتَبْ عَلَيْكُمْ ، وَكُتِبَتْ عَلَيَّ الْأُضْحِيَةُ ، وَلَمْ تُكْتَبْ عَلَيْكُمْ وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ لَمْ يُسَنَّ لَهَا الْأَذَانُ ، فَوَجَبَ أَنْ لَا تَكُونَ وَاجِبَةً عَلَى الْكَافَّةِ ابْتِدَاءً بِأَصْلِ الشَّرْعِ قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ النَّوَافِلِ ، وَلِأَنَّ الصَّلَوَاتِ ضَرْبَانِ فَرْضٌ ، وَنَفْلٌ ، فَلَمَّا كَانَ فِي جِنْسِ الْفَرْضِ وِتْرٌ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي جِنْسِ النَّفْلِ وِتْرٌ كَالْفَرَائِضِ .
وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ قِيَاسًا : أَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيِ الصَّلَاةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي جِنْسِهِ وِتْرٌ كَالْفَرَائِضِ ، وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ مِنْ سُنَنِهَا أَنْ تَكُونَ تَبَعًا لِغَيْرِهَا فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ نَفْلًا قِيَاسًا عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ ، وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهَا ، وَلَا يَفْسُقُ تَارِكُهَا ، وَلَا يُقْتَلُ مَنْ تَوَانَى عَنْهَا ، فَكَانَتْ بِالنَّوَافِلِ أَشْبَهَ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِيمَا ذَكَرْنَا .
فَأَمَّا الِاحْتِجَاجُ عَنْ جَوَابِهِمْ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَكُمْ " فَهُوَ أَنْ يُقَالَ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ : لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَنَا بِصَلَاةِ النَّفْلِ كَمَا أَمَرَنَا بِالْوَاجِبِ .
[ ص: 281 ] وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " زَادَكُمْ " فَهُوَ دَلِيلُنَا ، لِأَنَّهُ زَادَ لَنَا لَا عَلَيْنَا ، وَقَوْلُهُمُ الزِّيَادَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا عَلَى مَحْصُورٍ ، فَيُقَالُ لَهُمُ : النَّوَافِلُ ضَرْبَانِ : مُؤَكَّدَةٌ ، وَغَيْرُ مُؤَكَّدَةٍ ، فَالْمُؤَكَّدَةُ مَحْصُورَةُ الْقَدْرِ ، كَرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ ، وَالنَّوَافِلِ الْمُوَظَّفَاتِ قَبْلَ الصَّلَوَاتِ وَبَعْدَهَا عَلَى أَنَّ مِنْ أَصِلِهِمْ أَنَّهَا غَيْرُ مَزِيدَةٍ عَلَى شَيْءٍ ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عِنْدَهُمْ فَرْضًا تُزَادُ عَلَى الْوَظَائِفِ ، وَلَا نَفْلًا تُزَادُ عَلَى النَّوَافِلِ فَسَقَطَ مِنْ حَيْثُ أَوْرَدُوهُ .
وَأَمَّا حَدِيثُ
ابْنِ بُرَيْدَةَ ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=921558مَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا " فَمَتْرُوكُ الظَّاهِرِ بِإِجْمَاعٍ : لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=1232_28218تَارِكَ الْوِتْرِ لَا يَكُونُ كَافِرًا خَارِجًا عَنِ الْمِلَّةِ ، فَاحْتَجْنَا وَإِيَّاهُمْ إِلَى تَأْوِيلٍ يُحْمَلُ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ ، وَنَحْنُ أَقْدَرُ عَلَى تَأْوِيلِهِ مِنْهُمْ ، فَنَقُولُ : مَعْنَاهُ مَنْ لَمْ يُوتِرْ مُعْتَقِدًا أَنَّهَا غَيْرُ سُنَّةٍ ، فَلَيْسَ مِنَّا عَلَى أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ قَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي تَرْكِ الْمَنْدُوبِ إِلَيْهِ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921559مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا فَلَيْسَ مِنَّا وَتَوْقِيرُ الْكَبِيرِ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ .
وَأَمَّا حَدِيثُ
عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَفِيهِ جَوَابَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=921560إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ " فَلَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِ ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى فِعْلِهِ وَاسْتِحْبَابِهِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ فِي تَخْصِيصِ أَهْلِ الْقُرْآنِ بِهِ .
وَقَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَعْرَابِيِّ : "
إِنَّهَا لَيْسَتْ لَكَ ، وَلَا لِقَوْمِكَ " دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِهِ سُنَّةً وَنَدْبًا .
وَأَمَّا حَدِيثُ
أَبِي أَيُّوبَ فَقَدْ رُوِّينَا عَنْهُ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=921551الْوِتْرُ حَقٌّ مَسْنُونٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ " ، فَسَقَطَ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ .
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمَغْرِبِ ، فَالْمَعْنَى فِيهِ : أَنَّهَا صَلَاةٌ سُنَّ لَهَا أَذَانٌ ، وَإِقَامَةٌ ، ثُمَّ يُقَالُ
لِأَبِي حَنِيفَةَ : مَا تَعُمُّ الْبَلْوَى بِهِ لَا يَثْبُتُ عَلَى أَصْلِكَ بِالْقِيَاسِ ، وَلَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَلَيْسَ مَعَكَ فِيهِ تَوَاتُرٌ ، فَلِمَ أَثْبَتَّ وُجُوبَهُ ، وَفِيهِ مُخَالَفَةُ أَصْلِكَ ، فَإِنْ ذَكَرَ جَوَابًا كَانَ تَوْقِيفًا وَاعْتِذَارًا تَفْضَحُهُ السِّيَرُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - .