فصل : إذا جاز أن يلتعن منها وينفي ولدها ، وكذلك إذا أصابها بعد القذف . قذف زوجته في طهر قد جامعها فيه
[ ص: 122 ] وقال مالك : إن قذفها في طهر قد وطئها فيه لاعن لإسقاط الحد ، ولم يلتعن لنفي النسب ، وإن وطئها بعد القذف حد ولم يلتعن ، ويجعل الوطء تكذيبا لنفسه ، واستدل بأن آية اللعان وردت في العجلاني على سبب خاص ، وهو أنه قال : " رأيت بعيني وسمعت بأذني ، وما قربتها منذ عفار النخل " ، وفي عفارها قولان :
أحدهما : تلقيحها .
والثاني : ترك سقيها ؛ لأنهم يتركون سقيها إذا زهت ، وذلك الحد شهران ، فقصد العجلاني بذلك أنه ترك إصابتها مدة طويلة ، فاقتضى أن يكون ترك إصابتها شرطا في جواز لعانها ؛ لأن خصوص السبب يمنع من استعمال العموم عنده ، قال : ولأنه إذا شارك الزاني في وطئها لم يعلم أن الولد من زنا فلم يجز أن يقطع في لعانه بأنه منه ، وقال : ولأن ولد الحرة الذي يلحق بالعقد أثبت نسبا من ولد الأمة الذي لا يلحق إلا بالوطء ، فلما لم يجز أن ينفي ولد الأمة إلا بعد الاستبراء فأولى أن لا ينفي ولد الحرة إلا بعد الاستبراء .
ودليلنا قوله تعالى : والذين يرمون أزواجهم فكان عمومه فيمن أصاب زوجته أو لم يصبها ، فإن حملوه على خصوص السبب في قصة العجلاني ، فعنه ثلاثة أجوبة :
أحدها : أن الآية نزلت في هلال بن أمية دون العجلاني ، وهلال لم يقل : إني لم أصبها ، فكان السبب عاما .
والثاني : لو كان محمولا على قصة العجلاني في أنه لم يصبها لكون الاستبراء يخص عموم اللفظ ، لوجب أن يكون ترك إصابتها من عفار النخل مدة شهرين شرطا ، وأن يكون قول العجلاني : رأيت بعيني وسمعت بأذني شرطا ، وقوله : هي طالق ثلاثا إن كذبت عليها شرطا ، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : شرطا ، ومن إجماعهم على أن هذا ليس بشرط دليل على أن ترك الإصابة ليس بشرط ، وهذا جواب إن جاءت به على نعت كذا فلا أراه إلا وقد صدق عليها الشافعي .
والثاني : أن عموم اللفظ لا يقتضي حمله على خصوص السبب لأمرين :
أحدهما : أن انفراد العموم والسبب يوجب الحكم بالعموم دون السبب ، فكذلك إذا اجتمعا غلب حكم العموم على السبب .
والثاني : أن السبب بعض ما اشتمل عليه العموم ، فلم يجز أن يخص به العموم لدخوله فيه ، وخص بما نافاه لخروجه منه ، كما خص عموم قوله تعالى : والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما [ المائدة : 38 ] . بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ولمنافاة العموم " ولم يخص بقطع النبي - صلى الله عليه وسلم - في " المجن " لموافقته العموم . لا قطع في أقل من ربع دينار
ومن الدليل أيضا أنه قذف يجوز أن يلتعن منه لإسقاط الحد فجاز أن يلتعن منه [ ص: 123 ] لنفي الولد كالذي لم يطأ ؛ لأن الاستبراء لا تأثير له مع بقاء الزوجية بلحوق الولد في الحالتين ، فجاز أن ينفيه في الحالتين باللعان ، ولأن ولد الحرة يلحق بالاستدلال لإمكان الإصابة ، فجاز أن ينفى بالاستدلال لإمكان الزنا ، وخالف ولد الأمة حين لم يلحق إلا بالإصابة ، فلم ينتف إلا بالاستبراء من الإصابة ، فأما قول مالك : إنه لم يعلم بأنه من الزنا إذا لم يطأ ولا يعلم إذا وطئ ليس بصحيح ؛ لأنه قد يمتنع من الوطء وهي حائل ، وقد يطأ وهي حامل ، فكان العلم في الحالين ممتنعا ، وإنما يعتمد فيه على الأمارات ، فإن قيل : فإذا اجتمع في الرحم ماؤه وماء الزنا من أين ترجح له في نفي الولد أنه من ماء الزنا .
قيل : قد كان أبو العباس بن سريج يذهب إلى أنه لا ينفيه مع اختلاط المائين .
وهو خاص نص الشافعي وما عليه جمهور أصحابه ، والصحيح أن ينفيه لترجحه من وجوه منها : أن الذكي الفطن من الرجال يحس بالعلوق عند الإنزال إن كان أو لم يكن ، وكذلك من النساء .
ومنها أنه قد يعلم من نفيه أنه عقيم لا يولد به ، ومنه أن يرى من به الولد بالزاني ما يستدل به إلى غير ذلك من الإمارات الدالة ، فجاز أن يقع الترجيح والعمل عليها إذا تحقق الزنا ، وأما استشهاده باستبراء الأمة في نفي ولدها ، فإنه لا ينفى منها إلا بالاستبراء فلذلك كان شرطا ، وولد الحرة ينتفي باللعان دون الاستبراء فلم يكن في نفيه شرط .