مسألة : قال الشافعي : " ( وقال ) بعض الناس : إذا قال لها : يا زان ، لاعن أو حد ؛ لأن الله تعالى يقول : ولو قالت : يا زانية أكملت القذف وزادته حرفا أو اثنين وقال نسوة وقال : ( قال ولو قالت له : يا زانية لم تحد الشافعي ) - رحمه الله - : تعالى وهذا جهل بلسان العرب ، إذا تقدم فعل الجماعة من النساء كان الفعل مذكرا ؛ مثل : قال نسوة وخرج النسوة ، وإذا كانت واحدة فالفعل مؤنث مثل : قالت ، وجلست " .
قال الماوردي : وإنما عنى الشافعي ببعض الناس أبا حنيفة ، فإنه موافق في الرجل إذا قال لها : يا زان ، أنه يكون قذفا ، وخالف في المرأة إذا قالت له : يا زانية ، فقال : لا يكون قذفا ، وتابعه عليه أبو يوسف ، وعلى مذهب الشافعي يكون قذفا ، ولا فرق بين أن يكون ذلك من زوجتين أو أجنبيتين ، ووافقه عليه محمد بن الحسن ، واستدل من نص قول أبي حنيفة بأن العرب تذكر المؤنث ولا تؤنث المذكر استشهادا بآيتين حكى الشافعي عنهما إحداهما وهي قوله تعالى : وقال نسوة في المدينة [ يوسف : 35 ] . ولم يقل : وقالت ، وحكى أصحابه عنه الأخرى وهي قوله تعالى : فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي [ الأنعام : 78 ] . ولم يقل : هذه ، فلذلك جعل قول الرجل لها : يا زان قذفا ؛ لأنه تذكير مؤنث وذلك جائز ، ولم يجعل قول المرأة له : يا زانية قذفا ؛ لأنه تأنيث مذكر وذلك غير جائز ، وقالوا : ولأن الزيادة بإدخال الهاء تغير معنى الكلمة من وجهين :
أحدهما : أنها تصير كناية لخروجها عن المعهود إلى غير معهود ، والكناية لا تكون قذفا .
[ ص: 107 ] والثاني : أنه عبر عن زنا الرجل بزنا المرأة ، وزنا المرأة تمكين وزنا الرجل فعل ، فإذا نسب الرجل إلى التمكين وسلب الفعل لم يكن زانيا فلم يصر ذلك قذفا . والدليل على أنه قذف : هو أن اللفظ إذا كان مفهوم المعنى معقول المراد ، ثبت حكمه صوابا كان أو لحنا كالذي قدمناه ، ومفهوم من قولها : يا زانية ، إرادة القذف ، فوجب أن يكون قذفا ، كما لو قال لها : يا زان ، وتحرير هذا المعنى قياسا أن كل ما كان صريحا في مقذوف كان صريحا في كل مقذوف كاللفظ المذكر في النساء ، ولأن العلامة الفاصلة بين الذكور والإناث تسقط مع الإشارة إلى الغير كقوله لعبده : أنت حر ، ولأن كل لفظ استوى الذكور والإناث في حكم تذكيره استويا في حكم تأنيثه كالعتق ، ولأن دخول الهاء على اللفظ المذكر موضوع للمبالغة دون السلب كما قال تعالى : بل الإنسان على نفسه بصيرة [ القيامة : 14 ] . كقولهم : علامة ونساية ، فلم يجز مع دخولها للمبالغة أن تسلب لفظ القذف حكمه ، ولأن زيادة الهاء التي لا يفتقر اللفظ إليها إن لم توجب زيادة الحكم لم تقتض نقصانا منه ؛ لأن أسوأ أحوالها أن تكون لغوا . فأما الجواب عن استدلالهم بأن المؤنث يذكر والمذكر لا يؤنث ، فهو أنه لا يجوز تذكير المؤنث ولا تأنيث المذكر لما فيه من اشتباه اللفظ وإشكال الخطاب ، وإنما الهاء الموضوعة للتأنيث ربما حذفت من المؤنث كقولهم : " عين كحيل " ، و " كف خصيب " ، وأدخلت على المذكر كقولهم : " رجل داهية وراوية " ، فصار حذفها من المؤنث كدخولها على المذكر إذا زال الإشكال عنهما ، فلم يكن للفرق بينهما وجه - فأما قوله تعالى : وقال نسوة في المدينة فلأن فعل المؤنث إذا تقدم ذكر جمعه وأنث واحده - كما قال تعالى في الجمع : وقال نسوة وقال في الواحدة : قالت امرأة العزيز [ يوسف : 51 ] فأما إذا تأخر الفعل عنهن كان مؤنثا في الجمع والانفراد تقول : النساء قلن والمرأة قالت .
أما قوله تعالى : فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي [ الأنعام : 78 ] فعنه جوابان :
أحدهما : أنه أشار بذلك إلى الرب بأنه الشمس ولم يشر به إلى الشمس بأنها الرب .
والثاني : أنه أشار بذلك إلى شعاع الشمس وشعاعها مذكر .
فأما الجواب عن استدلالهم بأن الزيادة في الكلمة تغير معناه ، فهو : وإن غيرت للمبالغة دون السلب إثباتا للزيادة دون النقصان ، وقولهم : تصير كناية لخروجها عن المعهود فتعليل ينتقض عليهم بقوله لها : يا زان ، وقولهم : إنه أضاف إلى الرجل زنا المرأة فسلبه فعل الزنا فهو خطأ ؛ لأن زنا كل واحد منهما مضاف إلى فعله لا إلى فعل [ ص: 108 ] صاحبه ، فإذا عبر عن كل واحد منهما بلفظ صاحبه لم يسلبه حكم فعله وإن سلبه صفة لفظه .