مسألة : قال الشافعي : وإن جاءت به أديعج فلا أراه إلا قد صدق عليها " فجاءت به على النعت المكروه ، فقال عليه السلام : " فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يستعمل دلالة صدقه عليها وحكم بالظاهر بينه وبينها فمن بعده من الولاة ذكره أنه لما نزلت آية المتلاعنين قال - صلى الله عليه وسلم - : " " إن أمره لبين لولا ما حكم الله " . أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها الله جنته ، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه وفضحه على رءوس الأولين والآخرين
[ ص: 56 ] قال الماوردي : قد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثان :
أحدهما : في لعان العجلاني .
والثاني : في لعان هلال بن أمية ، نحن نذكرهما وتفسيرهما ومراد الشافعي بالاستدلال بهما ، وأما المروي في لعان العجلاني ، فقول النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد التعانهما : " . الأسحم : الأسود ، والأدعج : شديد سواد الحدقة ، والأحيمر : تصغير أحمر ، والوحرة : قال أبصروها ، فإن جاءت به أسحم ، أدعج ، عظيم الإليتين فلا أراه إلا قد صدق ، وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فلا أراه إلا كاذبا " ، قال : فجاءت به على النعت المكروه الشافعي : دويبة كالوزعة ، وقال غيره : هي القطاة ، أما المروي في لعان هلال بن أمية ، فقوله - صلى الله عليه وسلم - بعد التعانهما : لهلال بن أمية . . وإن جاءت به أورق ، جعدا ، جماليا ، خدلج الساقين ، سابغ الإليتين فهو لشريك بن سحماء ، فجاءت به أورق ، جعدا ، جماليا ، خدلج الساقين ، سابغ الإليتين ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لولا الأيمان لكان لي ولها شأن قال إن أتت به أصيهب ، أثيبج ، أحمش الساقين ، فهو عكرمة : فكان بعد ذلك أميرا على مصر وما يدعى لأب .
قوله : أصيهب : تصغير أصهب وهو الأشقر .
وأثيبج : هو الذي له ثبجة ، وهي لحمة ناتئة بين الكتفين ، والكاهل ، وفوق الظهر .
وأحمش الساقين : دقيقهما .
والأورق : الأسمر يقال في البهائم : أورق ، وفي الآدميين : أسمر .
والجعد : يعني جعد شعر الرأس ، والجمالي من الناس : من رواه بفتح الجيم ذهب إلى أنه من الجمال ، ورواه أبو عبيدة بضم الجيم وهو العظيم الخلق ، مشتقا من الجمل .
وسابغ الإليتين : تامهما .
وخدلج الساقين : عظيمهما . فهذا تفسير الحديثين ، والمقصود في المستفاد منهما ثلاثة أحكام :
أحدهما : بخلاف ما قاله حكم الحاكم في الظاهر لا يغير الأمر عما هو عليه في الباطن أبو حنيفة : إن الحكم بالظاهر يحيل الأمر عما هو عليه في الباطن ، ودليل الخبر يدفع قوله لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل حكم الشبه يقتضي لحوقه بأشبههما به ثم لم يلحقه بواحد منهما مع وجود الشبه ، لأن الحكم في الظاهر مانع من لحوقه .
والحكم الثاني المستفاد من الحديثين : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل ، يوجب الحكم بالقيافة عند إشكالها ؛ لأنه جعله من للشبه تأثيرا في لحوق [ ص: 57 ] الأنساب هلال بن أمية إن كان على شبهه ، ومن شريك بن السحماء إن كان على شبهه .
فإن قيل : فكيف يكون دليلا وما ألحقه بواحد منهما مع وجود الشبه ؟ .
قيل : لأن نفيه باللعان نعر ، وإلحاقه بالشبهة استدلال ، والاستدلال لا يستعمل مع وجود النص ، ويستعمل إذا انفرد .
والحكم الثالث المستفاد منها : أن ؛ لأنه قد أشبه الولد ولد الزنا لا يلحق بالزاني مع وجود الشبه شريكا ، وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه منه بالشبه ولم يلحقه به في الحكم - والله أعلم بالصواب - .