فصل : وأما الفصل الثالث : في حكمهن بعد لعانه منهن : ، فإن كانت بكرا فجلد مائة وتغريب عام ، وإن كانت محصنة فالرجم ، فأما الأمة فلا رجم عليها ، وعليها نصف الحد خمسون جلدة ، وفي تغريبها قولان : فعلى الحرة المسلمة والكتابية حد الزنا إن لم تلاعن
أحدهما : لا تغريب عليها لما فيه من الإضرار بسيدها .
والقول الثاني : تغرب ، وفي قدر تغريبها قولان :
أحدهما : عام كامل كالحرة .
والثاني : نصف عام . كما عليها نصف الجلد ، وفي نفقتها مدة تغريبها وجهان :
أحدهما : في بيت المال لمنع سيدها منها .
والثاني : على سيدها لأنه يملك استخدامها بعد تغريبها .
وأما الصغيرة فلا حد عليها لارتفاع القلم عنها ، وهل لها إذا بلغت أن تلاعن بعد لعانه أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : ليس لها أن تلاعن ؛ لأنه لم يجب عليها بلعان الزوج حد فيسقط بلعانها .
والوجه الثاني : لها أن تلاعن لتنفي بلعانها المعرة عن نفسها ، وهذا شرح مذهبنا في وجوب حد الزنا على الزوجة بلعان الزوج ما لم تلاعن .
[ ص: 30 ] وقال أبو حنيفة : الواجب عليها اللعان دون الحد ، فإن حبست حتى تلاعن ، ولم تحد استدلالا برواية امتنعت عن اللعان عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : فمنع هذا الخبر من قتلها بغير هذه الثلاث خصال . لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث خصال : كفر بعد إيمان ، أو زنا بعد إحصان ، أو قتل بغير نفس
ووجوب الحد عليها بلعان الزوج مفض إلى قتلها إن كانت محصنة ، وفيه إثبات ما نفاه الخبر ، ولأنه قول لا يجب به الحد على غير الزوجة فوجب أن لا يجب به حد على الزوجة كالأيمان طردا والشهادة عكسا ، قالوا : ولأن اللعان عند الشافعي يمين ، وهو لا يحكم بالنكول عليها ، وفي حدها إن امتنعت من اللعان حكم عليها بالنكول ، وهذا تناقض في القول .
ودليلنا قوله تعالى : ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين [ النور : 8 ] وذكر العذاب بالألف واللام ، يوجب حمله على جنس أو معهود ، فلم يجز حمله على جنس العذاب ؛ لأنه لا يجب ، فوجب حمله على المعهود وهو الحد لقوله تعالى : وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين [ النور : 2 ] .
فإن قيل : فالحبس معهود في عذاب من امتنع من الحقوق .
قلنا : لا يصح حمله على الحبس من وجهين :
أحدهما : أن الحبس لم يسم في عرف الشرع عذابا وقد سمي الحد عذابا ، قال تعالى : فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب [ النساء : 25 ] يعني الحد ، فكان حمله على عرف الشرع أولى .
والثاني : أن الله تعالى جعل لعانها يدرأ عنها العذاب الواجب بلعان الزوج ، والحبس لم يجب بلعان الزوج ، وإنما وجب بامتناعها ، فلم يجز حمله عليه ، ولأن ما خرج به الزوج من قذفه جاز أن يجب به الحد على زوجته كالبينة ، ولأن ما ثبت ببينة الزوج ثبت بلعانه كالحبس ، ولأنها أحد الزوجين فوجب أن يدرأ بلعانها الحد كالزوج ، ولأن من حلف على شيء استفيد صدقه فيه كالمتلاعنين ، ولأن لعان الزوج يتضمن إثبات الزنا ونفي الولد ، فلما تعلق بلعانه نفي الولد وجب أن يتعلق به ثبوت الزنا . لأنه أحد مقصودي اللعان ، وثبوت الزنا منها يوجب الحد عليها .
وأما الجواب عن استدلاله بالخبر فنحن نقول بموجبه ؛ لأنه تضمن قتلها بزناها بعد إحصانها وبذلك تقتل لا بغيره . وأما قوله : إن ما لا يجب به الحد على غير الزوجة لا يجب به الحد على الزوجة فلا يجوز أن يعتبر في اللعان حكم الزوجة بغيرها [ ص: 31 ] لاختصاص اللعان بالأزواج ، ثم المعنى في الأيمان مباينتها للعان في نفي النسب فتباينها في وجوب الحد .
وأما قولهم : إن حدها حكم عليها بالنكول الذي لا يراه الشافعي فليس بصحيح ؛ لأننا نحدها بلعان الزوج لا بنكولها عن اللعان ؛ لأن لعانها يسقط عنها الحد بعد وجوبه .