مسألة : قال الشافعي : " فأما الجماع فموضع تلذذ ، ولا يجبر أحد عليه ، قال الله تعالى : ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة ، ( قال ) بعض أهل التفسير : لن تستطيعوا أن تعدلوا بما في القلوب ؛ لأن الله تعالى يجاوزه فلا تميلوا لا تتبعوا أهواءكم أفعالكم ، فإذا كان الفعل والقول مع الهواء ، فذلك كل الميل ، وبلغنا ، يعني : والله أعلم فيما لا أملك قلبه ، ( قال ) : وبلغنا أنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم فيقول : اللهم هذا قسمي فيما أملك ، وأنت أعلم فيما لا أملك كان يطاف به محمولا في مرضه على نسائه حتى حللنه " .
قال الماوردي : وهذا صحيح ، يلزمه ، ولا يلزمه جماعهن إذا استقر دخوله بهن ، وله أن يجامع من شاء منهن ، ولا يلزمه جماع غيرها ؛ لأن الجماع إنما هو من دواعي الشهوة وخلوص المحبة التي لا يقدر على تكفلها بالتصنع لها ، قال الله تعالى : القسم لهن للتسوية بينهن ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة [ النساء : 129 ] . قال الشافعي : معناه ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء بما [ ص: 573 ] في القلوب من المحبة ، فلا تميلوا كل الميل في أن تتبعوا أهواءكم أفعالكم فتذروها كالمعلقة وهي التي ليست بزوجة ولا مفارقة .
فدلت هذه الآية على أن عليه التسوية بينهن فيما يقدر عليه من أفعاله في القسم والإيواء ، وليس عليه التسوية بينهن فيما لا يقدر عليه من المحبة والشهوة ، فكذلك الجماع .
وقال مالك : ، ويقطع شهوتها ، فإن أطال ترك جماعها ، وحاكمته إلى القاضي ، فسخ النكاح بينهما إن لم يجامع ، وأوجب عليه قوم أن يجامعها في كل أربع ليال مرة ؛ لأنه قد أبيح له نكاح أربع ، فصارت تستحق من كل أربعة أيام يوما ، وبهذا حكم يؤخذ الزوج بجماع امرأته في كل مدة ليحصنها كعب بن سوار بحضرة عمر - رضي الله تعالى عنه - فاستحسن ذلك منه ، وولاه قضاء البصرة ، فكان أول قاض قضى بها .
وكلا المذهبين عندنا غير صحيح لما ذكرناه ، ويجوز أن يكون كعب توسط فيما حكم به بين الزوجين عن صلح ومراضاة ، وكما لا يجبر على جماعها ، فكذلك لا يجبر على مضاجعتها ، ولا على تقبيلها ومحادثتها ، ولا على النوم معها في فراش واحد ؛ لأن هذا كله من دواعي الشهوة والمحبة التي لا يقدر على تكلفها ، وإنما يختص زمان القسم بالاجتماع والألفة .