( 142 ) حدثنا محمد بن الفضل بن جابر السقطي ، ، قالا : ثنا وزكريا بن يحيى الساجي هارون بن موسى الفروي ، ثنا ، ثنا إسحاق بن محمد الفروي ، عن مالك بن أنس ، يحيى بن سعيد ، جميعا عن وعبيد الله بن عمر ، قال : حدثني ابن شهاب ، عروة بن الزبير ، وسعيد بن المسيب ، وعلقمة بن وقاص ، عن وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله من ذلك ، وكل قد حدثني طائفة من حديثها وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض ، وأحسن اقتصاصا وبعضهم يصدق حديث بعض ، قالت : المدينة آذن ليلة بالرحيل ، فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت [ ص: 84 ] حتى جاوزت الجيش ، فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل فالتمست صدري فإذا عقد لي من جزع أظفار قد انقطع ، فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه فأقبل الذين يرحلون بي فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أنني فيه ، وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلن ولم يهبلهن اللحم إنما يأكلن العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم حين رفعوه ثقل الهودج فاحتملوه ، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا ، ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش فجئت منزلهم وليس فيه داع ولا مجيب ، فيممت منزلي الذي كنت فيه وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إلي ، فبينما أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني ، وكان قد عرس من وراء الجيش فأدلج عند منزلي ، فرأى سواد إنسان نائم فأتاني ، وكان يراني قبل نزول الحجاب ، فما استيقظت إلا باسترجاعه حين رآني ، فوالله ما كلمني ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه ، ثم أناخ راحلته فوطئ على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا معرسين في نحر الظهيرة ، فهلك من هلك وكان الذي تولى كبر الإفك صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني عبد الله بن أبي بن سلول ، فقدمنا المدينة فاشتكيت بها شهرا والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك لا أشعر بشيء من ذلك ، ويريبني في وجعي أني لا أرى من رسول الله اللطف الذي كنت أراه منه حين أمرض ، إنما يدخل علي فيسلم ، ثم يقول : " كيف تيكم ؟ " ، فذلك يريبني ولا أشعر ، حتى نقهت فخرجت أنا وأم مسطح بنت أبي رهم قبل المناصع ، وهي متبرزنا لا نخرج إلا من ليل إلى ليل ، وذلك قبل أن تتخذ الكنف قريبا من بيوتنا ، وأمرنا أمر العرب الأول في التبرز ، وأقبلت أنا وأم مسطح نمشي [ ص: 85 ] فعثرت في مرطها ، فقالت : تعس مسطح ، فقلت لها : بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد بدرا ؟ ، فقالت : يا هنتاه ألم تسمعي ما قال ؟ ، قلت : وماذا قال ؟ ، فأخبرتني بقول أهل الإفك ، فازددت مرضا إلى مرضي ، فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله ، فقال : " كيف تيكم ؟ " ، قلت : ائذن لي إلى أبوي ، قلت : وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما ، قالت : فأتيت أبوي ، فقلت لأمي : ما تحدث به الناس ؟ ، قالت : يا بنية هوني على نفسك ، فوالله لقل ما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها ، فقلت : سبحان الله ، وقد تحدث الناس بهذا ؟ ، قالت : فبت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، حتى أصبحت فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله ، قالت : فأما وأسامة بن زيد أسامة فأشار عليه بالذي يعرف من براءة أهله ، وبالذي يعلم في نفسه من الود لهم ، فقال أسامة : أهلك يا رسول الله ولا نعلم إلا خيرا ، وأما علي فقال : يا رسول الله لم يضيق الله عليك ، والنساء سواها كثير ، وسل الجارية تصدقك ، قالت : فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لها : " هل علمت من بريرة عائشة شيئا يريبك ؟ " ، فقالت : لا ، والذي بعثك بالحق ، ما رأيت عليها أمرا أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن ، تنام عن العجين حتى تأتي الداجن فتأكله ، قالت : فقام رسول الله من يومه فاستعذر من بريرة عبد الله بن أبي ابن سلول ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا ، وما كان يدخل على أهلي إلا معي " ، [ ص: 86 ] فقام يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي ، فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله ، إن كان من سعد بن معاذ الأوس ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك ، فقام وهو سيد سعد بن عبادة الخزرج ، وكان قبل ذلك رجلا صالحا ، ولكن أجهلته الحمية ، فقال : كذبت لعمر الله لا تقتله ، ولا تقدر على قتله ، فقام وهو ابن عم أسيد بن حضير ، فقال سعد بن معاذ : كذبت لعمر الله ليقتلنه ، وإنك منافق تجادل عن المنافقين ، فثار الحيان لسعد بن عبادة الأوس والخزرج حتى هموا بالقتال ، ورسول الله يخفضهم حتى سكتوا وسكت ، وبكيت يومي لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، حتى ظننت أن البكاء فالق كبدي ، فبينا أنا على ذلك إذ استأذنت امرأة من الأنصار فأذنت لها ، فجلست تبكي معي ، فبينا نحن كذلك إذ دخل رسول الله فجلس عندي ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها ، وقد مكث شهرا لا يوحى إليه في شأني فتشهد ، ثم قال : " أما بعد يا عائشة ، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ، فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه " ، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقالته ، قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة ، فقلت لأبي : أجب عني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قال ، قال : ما أدري ما أقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقلت لأمي ، قالت مثل ذلك ، فقلت : وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : والله لقد علمت أنكم قد سمعتم ما تحدث به وقر في أنفسكم وصدقتم ، ولئن قلت إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك ، ولئن اعترفت لكم بأمر يعلم الله أني منه بريئة لتصدقني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا ما قال أبو يوسف إذ قال : فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ، قالت : ثم تحولت على [ ص: 87 ] فراشي وأنا أرجو أن يبرئني الله ببراءتي ، ولكن ما طمعت أن ينزل في شأني وحي يتلى ، ولأنا كنت أحقر في نفسي من أن ينزل في قرآن يتلى ، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله في النوم رؤيا يبرئني الله ، قالت : فوالله ما رام رسول الله من مجلسه ، ولا خرج أحد من البيت حتى أنزل الله عليه فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى أنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في يوم شات ، قالت : فسري عن رسول الله وهو يضحك ، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال : " يا عائشة احمدي الله فقد برأك الله " ، فقلت : بحمد الله لا بحمدكم ، فقالت لي أمي : قومي إلى رسول الله ، فقلت : لا والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله ، فأنزل الله عز وجل : إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم الآيات كلها ، فلما أنزل الله براءتي ، قال وكان ينفق على أبو بكر الصديق مسطح : والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد ما قال لعائشة ما قال ، فأنزل الله عز وجل : ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة إلى آخر الآية ، فقال أبو بكر : بلى إني أحب أن يغفر الله لي ، فرجع إلى مسطح الذي كان يجري عليه ، قالت : وكان رسول الله سأل ، عن أمري فقال : " يا زينب بنت جحش زينب ما علمت وما رأيت ؟ " ، فقالت : أحمي سمعي وبصري ، والله ما علمت عليها إلا خيرا ، قالت عائشة : وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فعصمها بالورع ، فطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب عنها فهلكت فيمن هلك ، قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه ، قالت : فأقرع بيننا في غزاة غزاها فخرج سهمي فخرجت معه بعدما أنزل الحجاب ، فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه ، حتى إذا فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوته تلك وقفل ودنونا من : فهذا ما انتهى إلينا من حديث هؤلاء الرهط . الزهري