( 141 ) حدثنا ، ثنا أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني عبد الله بن جعفر الرقي ، ثنا ، عن عبيد الله بن عمرو إسحاق بن راشد ، عن ، عن الزهري ، عروة بن الزبير ، وسعيد بن المسيب ، وعلقمة بن وقاص ، كلهم ، عن وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة عائشة ، فيما قال لها أهل الإفك فبرأها الله [ ص: 79 ] مما قالوا : قال : فكلهم حدثني طائفة من حديثها ، وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض وأثبت له اقتصاصا ، وقد وعيت عن كل رجل منهم الحديث الذي حدثني عنها ، وبعض حديثهم يصدق بعضا ، وإن كان بعضهم أوعى له من بعض ، قالت : الزهري ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها النبي - صلى الله عليه وسلم - معه ، قالت كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يخرج إلى سفر أقرع بين أزواجه عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج سهمي ، فخرجت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدما أنزل الله الحجاب ، فأنا أحمل في هودجي وأنزل معه ، حتى إذا فرغ من غزوته تلك ودنونا من المدينة أردنا الرحيل ، فخرجت حين آذنونا بالرحيل فتبرزت لحاجتي حتى جاوزت الجيش ، فلما قضيت شأني رجعت إلى أهلي فلمست صدري ، فإذا عقد علي من جزع أظفار قد انقطع ، فخرجت في التماسه ، فحبسني ابتغاؤه ، وأقبل الرهط الذين يرحلون بي ، فاحتملوا هودجي على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه ، وكان النساء إذ ذاك لم يهبلهن اللحم ، إنما تأكل إحدانا العلقة من الطعام ، فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه ، وكنت جارية حديثة السن ، فبعثوا الجمل ، فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش ، فجئت منازلهم فليس بها منهم داع ولا مجيب ، فتيممت منزلي الذي كنت فيه ، وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إلي ، فبينا أنا كذلك في منزلي إذ غلبتني عيني فنمت ، وكان من وراء الجيش ، فأدلج وأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان فعرفني حين رآني ، وكان رآني قبل الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه فخمرت وجهي بجلبابي ، والله ما كلمني كلمة ولا سمعت شيئا من كلامه غير استرجاعه حين أناخ راحلته ، ووطئ على [ ص: 80 ] يدها ثم ركبتها ، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة ، وقد هلك من صفوان بن المعطل أهل الإفك من هلك ، وكان عبد الله بن أبي بن سلول ، فاشتكيت حين قدمنا الذي تولى كبره المدينة شهرا والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك ، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله اللطف الذي كنت أراه منه حين أشتكي ، إنما كان يدخل فيقول : " كيف تيكم ؟ " ، ثم ينصرف ، فذلك الذي يريبني منه ولا أشعر بشيء حتى خرجت بعدما نقهت أنا وأم مسطح ، وهي بنت أبي رهم بن المطلب ، وأمها بنت صخر بن عامر ، خالة أبي بكر الصديق ، وابنها ، فأقبلت أنا مسطح بن أثاثة وأم مسطح حين فرغنا من شأننا ، فعثرت أم مسطح في مرطها ، فقالت : تعس مسطح ، فقلت : بئس ما قلت تسبين رجلا قد شهد بدرا ؟ ، قالت : أولم تسمعي ما قال ؟ ، قلت : وماذا قال ؟ ، أهل الإفك ، فازددت مرضا على مرضي ، فلما رجعت دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : " كيف تيكم ؟ " ، قلت : تأذن لي فآتي أبواي ، وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما ، قالت : فأذن لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأتيت أبوي ، فقلت لأمي : ماذا يتحدث الناس به ؟ ، قالت : يا بنية هوني عليك قل ما كانت امرأة وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها ، قلت : سبحان الله ، وقد تحدث الناس بهذا ؟ ، فمكثت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، ثم أصبحت أبكي ، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرتني بقول عليا حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله ، وأسامة بن زيد أسامة فأشار على النبي - صلى الله عليه وسلم - بما يعلم من براءة أهله وبالود الذي لهم في نفسه ، فقال للنبي صلى الله عليه [ ص: 81 ] وسلم : أهلك وما نعلم إلا خيرا ، فأما علي ، فقال : يا رسول الله لم يضيق الله عليك ، النساء سواها كثير ، وإن تسأل الجارية تصدقك ، فدعا رسول الله وأما ، فقال : " بريرة هل رأيت شيئا يريبك ؟ بريرة " ، قالت : لا ، والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها شيئا أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله ، فصعد النبي - صلى الله عليه وسلم - المنبر فاستعذر من يا عبد الله ، فقال : " ، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا ، وما كان يدخل على أهلي إلا معي " ، فقام من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي فقال : يا رسول الله أنا أعذرك منه ، إن كان من إخوننا من سعد بن معاذ الأوس ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا بأمرك فيه ، فقام وهو سيد سعد بن عبادة الخزرج ، فقال : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله ، وقد كان قبل ذلك رجلا صالحا ، ولكن استجهلته الحمية ، فقام لسعد بن معاذ وهو ابن عم أسيد بن حضير ، فقال سعد بن معاذ : كذبت لعمر الله ليقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين ، وتثاور الحيان من لسعد بن عبادة الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر ، فلم يزل يسكتهم حتى سكتوا ، فمكثت يومي ذاك أبكي لا يرقأ لي دمع ، ولا أكتحل بنوم ، وأصبح أبواي عندي يظنان أن البكاء فالق كبدي ، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي إذ استأذنت امرأة من الأنصار علي ، فأذنت لها ، فجلست معي ، فبينا نحن كذلك إذ دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجلس ، ولم يجلس قبل ذلك منذ قيل ما قيل ، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه بشيء ، فتشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 82 ] حين جلس ، فقال : " أما بعد يا عائشة فإنه بلغني كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله ثم توبي إليه ، فإن العبد إذا أذنب ثم تاب تاب الله عليه " ، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة ، فقلت لأبي : أجب رسول الله ، فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله ، فقلت لأمي : أجيبي رسول الله ، فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله ، وأنا امرأة حديثة السن لم أقرأ كثيرا من القرآن ، فقلت : إني والله أعلم أنكم قد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به ، فلئن قلت إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقونني ، وما أجد لي ولكم مثلا إلا أبا يوسف فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ، ثم تحولت فاضطجعت على فراشي ، وما كنت أرى أن الله ينزل في شأني وحيا ، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله في بأمر من السماء ، ولكن كنت أرجو أن يري الله نبيه عليه السلام رؤيا في النوم يبرئني الله بها ، فوالله ما رام رسول الله من مجلسه ، ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أخذه ما كان يأخذه من البرحاء وهو العرق حين ينزل عليه الوحي ، وكان إذا أوحي إليه أخذه البرحاء حتى أنه ليتحدر منه مثل الجمان في اليوم الشاتي من ثقل القرآن الذي ينزل عليه ، قالت : فسري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يضحك ، فكان أول كلمة تكلم بها : " أما أنت يا عائشة ، فقد برأك الله " ، فقلت : بحمد الله لا بحمدكم ، قالت أمي : قومي إليه ، قلت : والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله ، فأنزل الله : إن الذين جاءوا بالإفك إلى آخر الآيات العشر كلها ، فلما أنزل الله هذا في براءتي ، قال أبو بكر : - وكان ينفق على مسطح لقرابته وفقره - : [ ص: 83 ] والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال في عائشة ، فأنزل الله : ولا يأتل أولو الفضل منكم الآية كلها ، فقال أبو بكر : والله إني لأحب أن يغفر الله لي ، فرجع إلى مسطح النفقة التي ينفق ، وقال : لا أنزعها عنك أبدا ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل عن أمري ، فقالت : ما رأيت ولا علمت إلا خيرا ، وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فعصمها الله بالورع ، وطفقت أختها زينب بنت جحش حمنة بنت جحش تحارب ، فهلكت فيمن هلك من أهل الإفك . قال : فهذا ما انتهى إلينا من خبر هؤلاء الرهط من هذا الحديث . الزهري