قال - تعالى - : وارزقوهم فيها واكسوهم أما من فسروا [ ص: 315 ] السفهاء بأولاد المخاطبين ، ونسائهم معا أو بأحدهما ، وجعلوا إضافة أموال المخاطبين إليهم على حقيقتها ، فقالوا في معنى هذه الجملة : إذا امتنع عليكم أيها الناس أن تعطوا أموالكم ولدانكم ونساءكم خشية أن يبذروها ، ويتلفوها ، وهي قيامكم ، وعليها مدار معاشكم ، فعليكم أن تتولوا أنتم إصلاحها ، وتثميرها ، والإنفاق عليهم منها في طعامهم ، وكسوتهم ، فهي في وجوب ، وروي نحوه عن إنفاق الرجل على زوجه وأولاده القاصرين الذين لا يحسنون الكسب . ابن عباس
ومن قالوا إن الكلام في السفهاء عامة ، وفي حفظ الأولياء لأموالهم قالوا : إن معناها يا أيها الأولياء الذين عهد إليكم ، وتثميرها حتى كأنها - بهذا التصرف وبارتباط مصالح أصحابها بمصالحكم ، وبتكافل الأمة والعشيرة ووحدتها - أموالكم يجب عليكم أن تنفقوا على السفهاء ، فتقدموا لهم كفايتهم من الطعام ، والثياب ، وغير ذلك ، ومن قالوا : إن لفظ السفهاء عام في أولاد المخاطبين ، ونسائهم ، واليتامى وغيرهم ، ولفظ أموالكم عام فيما هو للمخاطبين وهم جميع ، وما هو للسفهاء ، وهو الذي اختاره حفظ أموال السفهاء - وقلنا إنه أحسن الأقوال - جعلوا معناها شاملا للمعنيين السابقين في ابن جرير ممن لا تجب عليه نفقته من ماله أي مال نفسه . الإنفاق على من تجب على الرجل نفقته من مال نفسه ، والإنفاق على من يتولى أمره من السفهاء
وإنما قال : وارزقوهم فيها ولم يقل منها لأن المراد كما قال في الكشاف : اجعلوها مكانا لرزقهم بأن تتجروا فيها وتتربحوا ; حتى تكون نفقتهم من الأرباح لا من صلب المال فلا يأكلها الإنفاق اهـ . أي إن ما ينفق من أصله ، وصلبه ينقص رويدا رويدا حتى يذهب كله ، وتبع الكشاف فيما قاله الإمام الرازي ، والأستاذ الإمام .
وقال الأستاذ الإمام : الرزق يعم وجوه الإنفاق كلها كالأكل ، والمبيت ، والزواج ، والكسوة ، وإنما قال : واكسوهم فخص الكسوة بالذكر لأن الناس يتساهلون فيها أحيانا ، وتخصيص ( الجلال ) - أي وغيره ممن نقل هو عنهم - الرزق بالإطعام لا يصح اهـ .
وقال الرازي : إن الرزق من العباد هو الإجراء الموظف لوقت معلوم ، يقال : فلان رزق عياله أي أجرى عليهم اهـ . يعني أن كل النفقات المرتبة في أوقات معينة تسمى رزقا ، وهو معنى اصطلاحي أخص من المعنى اللغوي . والغرض من هذا وذاك هو جعلهم الرزق هنا شاملا لأنواع النفقات الواجبة بالنص حتى لا يقول قائل : إن الواجب هو الطعام ، والكسوة دون الإيواء ، والتربية ، والتعليم وغير ذلك .
وقد فسر بعضهم قوله - تعالى - : وقولوا لهم قولا معروفا بتعليمهم ما يجب علمه وما يجب العمل به ، نقله الرازي ، عن ، وقيل : هو الوعد الجميل للسفيه بإعطائه ماله عند الرشد . وقيل : بل وعده بزيادة الإدرار عليه والتوسعة عند زيادة ربح المال وغلبته . الزجاج
وقيل : هو الدعاء . وفصل القفال فقال : إن كان المولى عليه صبيا ( أي صغيرا ولو أنثى ) [ ص: 316 ] فالولي يعرفه أن المال ماله ، وهو خازن له ، وأنه إذا زال صباه ، فإنه يرد المال عليه ، وإذا كان المولى عليه سفيها ، وعظه ، ونصحه ، وحثه على الصلاة ورغبه في ترك التبذير والإسراف ، وعرفه أن عاقبته الفقر ، والاحتياج إلى الخلق إلى ما يشبه هذا النوع من الكلام ، قال الرازي : وهذا الوجه أحسن من سائر الوجوه . وقال الأستاذ الإمام : المعروف هو ما تعرفه النفوس الكريمة ، وتألفه ، ويقابله المنكر وهو : ما تنكره وتمجه . فالمعروف هنا : يشمل تطييب القلوب بإفهام السفيه أن المال ماله لا فضل لأحد في الإنفاق منه عليه ليسهل عليه الحجر ، ويشمل النصح ، والإرشاد ، وتعليم ما ينبغي أن يعلمه ، وما يعده للرشد ، فإن السفه كثيرا ما يكون عارضا للشخص لا فطريا ، فإذا عولج بالنصح والتأديب حسنت حاله ، فهذا هو القول المعروف الذي أمر الله أولياء السفهاء به زيادة على حفظ أموالهم ، وتثميرها ، والإنفاق عليهم منها .
أقول : فأين مكان هذه الوصايا ، والأوامر الإلهية من الأولياء ، والأوصياء الذين نعرفهم في هذا الزمان يأكلون أموال السفهاء ، ويمدونهم في سفههم ، ويحولون بينهم وبين أسباب الرشد ليبقوا متمتعين بالتصرف في أموالهم ؟