( لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) أي لا شريك له تعالى في ربوبيته فيستحق أن يكون له شركة ما في عبادته ، بأن يتوجه إليه معه لأجل التأثير في إرادته ، أو تذبح له النسائك لأجل شفاعته عنده ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) ( 2 : 255 ) ( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ) ( 21 : 28 ) وبذلك التجريد في التوحيد والبراءة من الشرك الجلي والخفي ، أمرني ربي ، ولا يعبد الرب إلا بما أمر ، دون أهواء الأنفس ونظريات العقول وتقاليد البشر ، وأنا أول المسلمين ، أي على الإطلاق في علو الدرجة والرتبة ، وأولهم في الزمن بالنسبة إلى هذه الأمة - وبيان هذا أنه صلى الله عليه وسلم أكمل المذعنين لأمر ربه ونهيه ، بحسب ما أعطاه من الدرجات العلى التي فضله بها صلى الله عليه وسلم على جميع رسله ، كما أنه أول من لقنه ربه الإسلام ، في هذه الأمة الشاملة دعوتها لجميع الأنام ، والموصوفة بعد إجابة الدعوة بأنها خير أمة أخرجت للناس ، وقد يستلزم عموم بعثته وخيرية أمته أوليته صلى الله عليه وسلم ، وأوليته بالتقدم على الرسل الذين بعثوا قبله أيضا ، فيكون أولا في كل من مزاياه الخاصة ورسالته العامة المتعدية . وهذا التفسير للأول مما فتحه الله تعالى علي الآن وهو الفتاح العليم .
ولما بين توحيد الألوهية ، انتقل إلى برهانه الأعلى وهو ، بما أمره به تعالى في قوله : ( توحيد الربوبية قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء ) الاستفهام للإنكار والتعجب ، والمعنى : أغير الله خالق الخلق ، وسيدهم ومربيهم بالحق ، أطلب ربا آخر أشركه في عبادتي له بدعائه والتوجه إليه ، أو ذبح النسائك أو نذرها له ، لينفعني أو يمنع الضر عني ، أو ليقربني إليه زلفى ويشفع لي عنده كما تفعلون بآلهتكم ! والحال أنه تعالى هو رب كل شيء مما عبد ومما لم يعبد ، فهو الذي خلق الملائكة وخواص البشر كالمسيح والشمس والقمر والكواكب والأصنام المذكرة ببعض الصالحين وصانعيها ( والله خلقكم وما تعملون ) ( 37 : 96 ) ، فإذا كان تعالى هو الخالق المقدر ، وهو السيد المالك المدبر ، وهو الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ، وفضل بعض المخلوقات على بعض ولكنها بالنسبة إليه على حد سواء ، فكيف أسفه نفسي وأكفر ربي بجعل المخلوق المربوب مثلي ربا لي ؟ ! وقد سبق تقرير هذه المسألة مرارا في تفسير هذه السورة وغيرها ، ومنه أن جميع المشركين كانوا يقرون بأن معبوداتهم [ ص: 217 ] مخلوقة ، وأن الله رب العالمين هو خالق الخلق أجمعين . إلا أن النصارى يقولون بخلق ناسوت المسيح دون هوته إذ اللاهوت عندهم هو الله سبحانه وتعالى عن الحلول في الأجساد ، والتحول في صور العباد .