[ ص: 133 ] أبي ذر رضي الله عنه وقال إسلام : حدثنا سليمان بن المغيرة حميد بن هلال ، عن عبد الله بن الصامت قال : قال أبو ذر : خرجنا من قومنا غفار ، وكانوا يحلون الشهر الحرام ، فخرجت أنا وأخي أنيس وأمنا ، فانطلقنا حتى نزلنا على خال لنا ذي مال وهيئة فأكرمنا ، فحسدنا قومه ، فقالوا : إنك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم أنيس . فجاء خالنا فنثا علينا ما قيل له . فقلت له : أما ما مضى من معروفك ، فقد كدرته ولا جماع لك فيما بعد ، فقربنا صرمتنا فاحتملنا عليها ، وتغطى خالنا ثوبه ، فجعل يبكي ، فانطلقنا فنزلنا بحضرة مكة ، فنافر أنيس عن صرمتنا وعن مثلها ، فأتينا الكاهن فخير أنيسا ، فأتانا بصرمتنا ومثلها معها . قال : وقد صليت يا ابن أخي قبل أن ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين ، فقلت : لمن ؟ قال لله . قلت : فأين توجه ؟ قال : أتوجه حيث يوجهني الله أصلي عشاء ، حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت كأني خفاء يعني الثوب حتى تعلوني الشمس . فقال أنيس : إن لي حاجة بمكة فاكفني حتى آتيك . فأتى مكة فراث - أي أبطأ علي - ، ثم أتاني فقلت ما حبسك ؟ قال : لقيت رجلا بمكة يزعم أن الله أرسله على دينك . قلت : ما يقول الناس ؟ قال : يقولون : إنه شاعر ، وساحر ، وكاهن ، وكان أنيس أحد الشعراء . فقال : لقد سمعت قول الكهنة ، فما هو بقولهم ، ولو وضعت قوله على أقوال [ ص: 134 ] الشعراء ، فما يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر ، ووالله إنه لصادق ، وإنهم لكاذبون . قال : قلت له : هل أنت كافيني حتى أنطلق فأنظر ؟ قال : نعم ، وكن من أهل مكة على حذر ، فإنهم قد شنفوا له وتجهموا . فأتيت مكة ، فتضعفت رجلا ، فقلت : أين هذا الذي تدعونه الصابئ ؟ قال : فأشار إلي الصابئ ! . قال : فمال علي أهل الوادي بكل مدرة وعظم ، حتى خررت مغشيا علي ، فارتفعت حين ارتفعت ، كأني نصب أحمر ، فأتيت زمزم فشربت من مائها ، وغسلت عني الدم ، فدخلت بين الكعبة وأستارها ، ولقد لبثت يا ابن أخي ثلاثين من بين ليلة ويوم ، وما لي طعام إلا ماء زمزم ، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني ، وما وجدت على كبدي سخفة جوع . فبينما أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان ، قد ضرب الله على أصمخة أهل مكة ، فما يطوف بالبيت أحد غير امرأتين ، فأتتا علي ، وهما تدعوان إسافا ونائلة ، فأتتا علي في طوافهما ، فقلت : أنكحا أحدهما الأخرى . قال : فما تناهتا عن قولهما وفي لفظ : فما ثناهما ذلك عما قالتا فأتتا علي ، فقلت : هن مثل الخشبة ، غير أني لا أكني . فانطلقتا تولولان ، وتقولان : لو كان هاهنا أحد من أنفارنا . بكر ، وهما هابطان من الجبل ، فقالا لهما : ما لكما ؟ قالتا : الصابئ بين الكعبة وأستارها . قالا : ما قال لكما ؟ قالتا : قال لنا كلمة تملأ الفم . فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه ، فاستلم الحجر ، ثم طافا ، فلما قضى صلاته أتيته ، فكنت أول من حياه بتحية الإسلام . فقال : " وعليك ورحمة الله " . ثم قال : " ممن [ ص: 135 ] أنت ؟ قلت : من غفار ، فأهوى بيده فوضعها على جبينه ، فقلت في نفسي : كره أني انتميت إلى غفار ، فأهويت لآخذ بيده ، فقدعني صاحبه ، وكان أعلم به مني ، ثم رفع رأسه ، فقال : متى كنت هاهنا ؟ قلت : قد كنت هاهنا منذ ثلاثين ، بين ليلة ويوما . قال : فمن كان يطعمك ؟ قلت : ما كان لي طعام إلا ماء زمزم . فقال : إنها مباركة ، إنها طعام طعم ، وشفاء سقم . فقال أبو بكر : ائذن لي يا رسول الله في طعامه الليلة . ففعل ، فانطلقا ، وانطلقت معهما ، حتى فتح أبو بكر بابا ، فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف ، فكان ذلك أول طعام أكلته بها . قال : فغبرت ما غبرت ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إني قد وجهت إلى أرض ذات نخل لا أحسبها إلا يثرب ، فهل أنت مبلغ عني قومك لعل الله أن ينفعهم بك ويأجرك فيهم ؟ فانطلقت حتى أتيت أخي أنيسا فقال لي : ما صنعت ؟ قلت : صنعت أني أسلمت وصدقت . ثم أتينا أمنا فقالت : ما بي رغبة عن دينكما . فأسلمت ، ثم احتملنا حتى أتينا قومنا غفار ، فأسلم نصفهم قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وكان يؤمهم خفاف بن إيماء بن رحضة الغفاري ، وكان سيدهم يومئذ ، وقال بقيتهم : إذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلمنا ، فقدم المدينة فأسلم بقيتهم . وجاءت أسلم ، فقالوا : يا رسول الله إخواننا ، نسلم على الذي أسلموا عليه ، فأسلموا فقال : " غفار غفر الله لها ، وأسلم سالمها الله " أخرجه فاستقبلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو مسلم عن هدبة ، عن سليمان .
وفي الصحيحين من حديث مثنى بن سعيد ، عن أبي جمرة [ ص: 136 ] الضبعي ، ابن عباس حدثهم بإسلام أبي ذر ، قال : أرسلت أخي فرجع وقال : رأيت رجلا يأمر بالخير . فلم يشفني ، فأتيت مكة ، فجعلت لا أعرفه ، وأشرب من زمزم ، فمر بي علي ، فقال : كأنك غريب . قلت : نعم . قال : انطلق إلى المنزل . فانطلقت معه ، فلم أسأله ، فلما أصبحنا ، جئت المسجد ، ثم مر بي علي ، فقال : أما آن لك أن تعود ؟ قلت : لا . قال : ما أمرك ؟ قلت : إن كتمت علي أخبرتك ، ثم قلت : بلغنا أنه خرج نبي . قال : قد رشدت فاتبعني . فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : اعرض علي الإسلام . فعرضه علي ، فأسلمت ، فقال : اكتم إسلامك وارجع إلى قومك . قلت : والله لأصرخن بها بين أظهرهم ، فجاء في المسجد ، فقال : يا معشر قريش أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله . فقالوا : قوموا إلى هذا الصابئ . فقاموا ، فضربت لأموت ، فأدركني العباس فأكب علي وقال : تقتلون ، ويلكم رجلا من بني غفار ، ومتجركم وممركم على غفار ؟ ! فأطلقوا عني . ثم فعلت من الغد كذلك ، وأدركني العباس أيضا . أن
وقال : النضر بن محمد اليمامي : حدثنا عن عكرمة بن عمار ، أبي زميل سماك بن الوليد ، عن مالك بن مرثد ، عن أبيه ، عن أبي ذر قال : كنت ربع الإسلام ، أسلم قبلي ثلاثة نفر ، أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : السلام عليك يا رسول الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، فرأيت الاستبشار في وجهه .