قال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا محمد بن بشر ، حدثنا عبد العزيز بن عمر ، حدثني رجل من بني سلامان بن سعد ، عن أمه أن خالها [ ص: 400 ] حبيب بن فويك ، حدثها . قال أن أباه خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعيناه مبيضتان لا يبصر بهما شيئا أصلا ، فقال له : " ما أصابك ؟ " قال : كنت أمري جملا لي فوقعت رجلي على بيض حية ، فأصيب بصري . فنفث رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه فأبصر ، فرأيته وإنه ليدخل الخيط في الإبرة ، وإنه لابن ثمانين سنة ، وإن عينيه لمبيضتان : كذا في كتابه ، وغيره يقول : البيهقي حبيب بن مدرك .
وثبت في " الصحيح " خيبر ، وهو أرمد فبرأ من ساعته ، ثم لم ترمد بعدها أبدا ، ومسح رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم نفث في عيني علي يوم عبد الله بن عتيك ، وقد انكسرت رجله ليلة قتل أبا رافع تاجر أهل الحجاز الخيبري ، فبرأ من ساعته أيضا . وروى البيهقي أن أن يشفى من مرضه ذلك فشفي لسعد بن أبي وقاص . وروى أنه صلى الله عليه وسلم مسح يد محمد بن حاطب ، وكانت قد احترقت بالنار فبرأ من ساعته ، ومسح رجل سلمة بن الأكوع ، وقد أصيبت يوم خيبر ، فبرأت من ساعتها ، ودعا البيهقي أبا طالب مرض ، فسأل منه صلى الله عليه وسلم [ ص: 401 ] أن يدعو له ربه أن يعافيه فدعا له فشفي من مرضه ذلك . وكم له من مثلها وعلى مسلكها ; من إبراء آلام ، وإزالة أسقام ، مما يطول شرحه وبسطه . أن عمه
وقد أيضا ، كما رواه وقع في كرامات الأولياء إبراء الأعمى بعد الدعاء عليه بالعمى من طريق الحافظ بن عساكر ، عن أبي سعيد بن الأعرابي أبي داود ، حدثنا عمر بن عثمان ، حدثنا بقية ، عن محمد بن زياد ، عن أبي مسلم ، أن امرأة خببت عليه امرأته ، فدعا عليها فذهب بصرها ، فأتته فقالت : يا أبا مسلم ، إني كنت فعلت وفعلت ، وإني لا أعود لمثلها . فقال : اللهم إن كانت صادقة فاردد عليها بصرها . فأبصرت .
ورواه أيضا من طريق أبي بكر بن أبي الدنيا : حدثنا عبد الرحمن بن واقد ، حدثنا ضمرة ، حدثنا عاصم ، حدثنا عثمان بن عطاء قال : كان أبو مسلم الخولاني إذا دخل منزله سلم فإذا بلغ وسط الدار كبر وكبرت امرأته ، فإذا دخل البيت كبر وكبرت امرأته . قال : فيدخل فينزع رداءه وحذاءه وتأتيه بطعام فيأكل ، فجاء ذات ليلة فكبر فلم تجبه ، ثم جاء إلى باب البيت ، فكبر وسلم فلم تجبه ، وإذا البيت ليس فيه سراج ، وإذا هي جالسة بيدها عود في الأرض تنكت به ، فقال [ ص: 402 ] لها : ما لك ؟ فقالت : الناس بخير وأنت أبو مسلم ، لو أتيت معاوية فيأمر لنا بخادم ويعطيك شيئا تعيش به . فقال : اللهم من أفسد علي أهلي فأعم بصره . قال : وكانت أتتها امرأة فقالت : أنت امرأة أبي مسلم ، لو كلمت زوجك ليكلم معاوية ليخدمكم ويعطيكم . قال : فبينما هذه المرأة في منزلها والسراج يزهر ، إذ أنكرت بصرها ، فقالت : سراجكم طفئ ؟ قالوا : لا . قالت : إنا لله ، أذهب بصري . فأقبلت كما هي إلى أبي مسلم ، فلم تزل تناشده الله وتطلب إليه ، فدعا الله فرد بصرها ، ورجعت امرأته إلى حالها التي كانت عليها .
وأما التي قال الله تعالى : قصة المائدة إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين [ المائدة : 112 - 115 ] . وقد ذكرنا في " التفسير " بسط ذلك واختلاف المفسرين فيها ; هل نزلت أم لا ، على قولين ، [ ص: 403 ] والمشهور عن الجمهور أنها نزلت ، واختلف فيما كان عليها من الطعام على أقوال ، وذكر أهل التاريخ أن موسى بن نصير الذي فتح البلاد المغربية أيام بني أمية وجد المائدة ، ولكن قيل : إنها مائدة سليمان بن داود مرصعة بالجواهر ، وهي من ذهب ، فأرسل بها إلى ، فكانت عنده حتى مات ، فتسلمها أخوه الوليد بن عبد الملك سليمان . وقيل : إنها مائدة عيسى . لكن يبعد هذا أن النصارى لا يعرفون المائدة ، كما قاله غير واحد من العلماء . والله أعلم .
والمقصود أن المائدة سواء كانت قد نزلت أم لم تنزل ، فقد كانت موائد رسول الله صلى الله عليه وسلم تمد من السماء ، وكانوا يسمعون تسبيح الطعام وهو يؤكل بين يديه ، وكم قد أشبع من طعام يسير ألوفا ومئات وعشرات بعد عشرات صلوات الله وسلامه عليه ما تعاقبت الأوقات ، وما دامت الأرض والسماوات . هذا أبو مسلم الخولاني قد ذكر في ترجمته من " تاريخه " أمرا عجيبا وشأنا غريبا ، حيث روي من طريق الحافظ ابن عساكر إسحاق بن نجيح الملطي ، عن الأوزاعي قال : أتى أبا مسلم الخولاني نفر من قومه فقالوا : يا أبا مسلم ، أما [ ص: 404 ] تشتاق إلى الحج ؟ قال : بلى ، لو أصبت لي أصحابا . قال فقالوا : نحن أصحابك . قال : لستم لي بأصحاب ، إنما أصحابي قوم لا يريدون الزاد ولا المزاد . فقالوا : سبحان الله ، وكيف يسافر قوم بلا زاد ولا مزاد ؟ ! قال لهم : ألا ترون إلى الطير تغدو وتروح بلا زاد ولا مزاد ، والله يرزقها ، وهي لا تبيع ولا تشتري ، ولا تحرث ولا تزرع ، والله يرزقها ؟ قال : فقالوا : فإنا نسافر معك . قال : تهيئوا على بركة الله تعالى . قال : فغدوا من غوطة دمشق ، ليس معهم زاد ولا مزاد ، فلما انتهوا إلى المنزل قالوا : يا أبا مسلم ، طعام لنا وعلف لدوابنا . قال : فقال لهم : نعم . فتنحى غير بعيد ، فتسنم مسجد أحجار فصلى فيه ركعتين ، ثم جثا على ركبتيه فقال : إلهي ، قد تعلم ما أخرجني من منزلي ، وإنما خرجت زائرا لك ، وقد رأيت البخيل من ولد آدم تنزل به العصابة من الناس فيوسعهم قرى ، وإنا أضيافك وزوارك ، فأطعمنا واسقنا ، واعلف دوابنا . قال : فأتي بسفرة مدت بين أيديهم ، وجيء بجفنة من ثريد تبخر ، وجيء بقلتين من ماء ، وجيء بالعلف لا يدرون من يأتي به ، فلم تزل تلك حالهم منذ خرجوا من عند أهاليهم حتى رجعوا ، لا يتكلفون زادا ولا مزادا .
فهذه حال ولي من هذه الأمة ، نزل عليه وعلى أصحابه كل يوم مائدة مرتين ، مع ما يضاف إليها من الماء والعلوفة لدواب أصحابه ، وهذا اعتناء عظيم ، وإنما نال ذلك ببركة متابعته لهذا النبي الكريم ، عليه أفضل الصلاة والتسليم .
[ ص: 405 ] وأما قوله تعالى عن عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، أنه قال لبني إسرائيل : وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم الآية [ آل عمران : 49 ] . فهذا سهل يسير على الأنبياء ، بل وعلى كثير من الأولياء ، وقد قال يوسف نبي الله والصديق لذينك الفتيين المحبوسين معه لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي الآية [ يوسف : 37 ] . وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأخبار الماضية طبق ما وقع ، وعن الأخبار الحاضرة سواء بسواء ، كما أخبر عن أكل الأرضة لتلك الصحيفة الظالمة التي كانت بطون قريش قد تمالأت على مقاطعة بني هاشم وبني عبد المطلب حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في سقف الكعبة ، فأرسل الله الأرضة ، فأكلتها إلا مواضع اسم الله تعالى ، وفي رواية : فأكلت اسم الله منها تنزيها لها أن تكون مع الذي فيها من الظلم والعدوان . فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب وهم بالشعب ، فخرج إليهم أبو طالب ، وقال لهم عما أخبره به ، فقالوا : إن كان كما قال وإلا فسلموه إلينا . فقالوا : نعم . فأنزلوا الصحيفة ، فوجدوها كما أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء بسواء ، فأقلعت بطون قريش عما كانوا تمالئوا عليه لبني هاشم وبني المطلب ، وهدى الله بذلك خلقا كثيرا ، وكم له مثلها ، كما تقدم بسطه وبيانه [ ص: 406 ] في مواضع من السيرة وغيرها ، ولله الحمد والمنة .
وفي يوم بدر لما طلب من العباس عمه فداء ادعى أنه لا مال له ، فقال له : " فأين المال الذي دفنته أنت تحت أسكفة الباب ، وقلت لها : إن قتلت فهو للصبية ؟ " فقال : والله يا رسول الله ، إن هذا شيء لم يطلع عليه غيري وغير وأم الفضل أم الفضل إلا الله عز وجل . وأخبر بموت النجاشي يوم مات وهو بالحبشة ، وصلى عليه ، وأخبر عن قتل الأمراء يوم مؤتة واحدا بعد واحد وهو على المنبر ، وعيناه تذرفان ، وأخبر عن الكتاب الذي أرسل به مع حاطب بن أبي بلتعة سارة مولاة بني عبد المطلب ، وأرسل في طلبها عليا والزبير ، فوجدوها قد جعلته في عقاصها ، وفي رواية : في حجزتها . وقد تقدم ذلك في غزوة الفتح ، وقال لأميري والمقداد كسرى اللذين بعث بهما نائب اليمن لكسرى ; ليستعلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن ربي قد قتل الليلة ربكما " . فأرخا تلك الليلة ، فإذا كسرى قد سلط الله عليه ولده فقتله ، فأسلما وأسلم باذام نائب اليمن ، وكان سبب ملك اليمن لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأما فكثيرة جدا - كما تقدم بسط ذلك ، وسيأتي في أثناء التواريخ - فيقع ذلك طبق ما قال سواء بسواء . إخباره صلى الله عليه وسلم عن الغيوب المستقبلة
وذكر ابن حامد في مقابلة سياحة عيسى ، عليه الصلاة والسلام ، كثرة [ ص: 407 ] جهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي مقابلة زهد عيسى ، عليه الصلاة والسلام ، زهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كنوز الأرض حين عرضت عليه فأباها ، وقال : " أجوع يوما وأشبع يوما " . وأنه كان له ثلاث عشرة زوجة يمضي عليهن الشهر والشهران لا توقد عندهن نار ولا مصباح ، إنما هو الأسودان ; التمر والماء ، وربما ربط على بطنه الحجر من الجوع ، وما شبعوا من خبز بر ثلاث ليال تباعا ، وكان فراشه من أدم حشوه ليف ، وربما اعتقل الشاة ليحلبها ، ورقع ثوبه ، وخصف نعله بيده الكريمة ، صلوات الله وسلامه عليه ، ومات صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي على طعام اشتراه لأهله ، هذا وكم آثر بآلاف مؤلفة والإبل والشاء والغنائم والهدايا على نفسه وأهله للفقراء والمحاويج والأرامل والأيتام والأسرى والمساكين .
وذكر أبو نعيم في مقابلة تبشير الملائكة لمريم الصديقة بمولد عيسى ، ما بشرت به آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حملت به في منامها ، وما قيل لها : إنك قد حملت بسيد هذه الأمة فسميه محمدا . وقد بسطنا ذلك في المولد ، كما تقدم . وقد أورد ها هنا حديثا غريبا مطولا بالمولد أحببنا أن نسوقه ليكون الختام نظير الافتتاح ، وبالله المستعان ، وعليه التكلان ، ولله الحمد . الحافظ أبو نعيم
فقال : حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا حفص بن عمر بن [ ص: 408 ] الصباح ، حدثنا يحيى بن عبد الله البابلي ، أنا أبو بكر بن أبي مريم ، عن سعيد بن عمر الأنصاري ، عن أبيه قال : قال ابن عباس : فكان من دلالات حمل محمد صلى الله عليه وسلم أن كل دابة كانت لقريش نطقت تلك الليلة وقالت : حمل برسول الله صلى الله عليه وسلم ورب الكعبة ، وهو أمان الدنيا وسراج أهلها . ولم تبق كاهنة في قريش ولا قبيلة من قبائل العرب إلا حجبت عن صاحبتها ، وانتزع علم الكهنة منها ، ولم يبق سرير ملك من ملوك الدنيا إلا أصبح منكوسا ، والملك مخرسا لا ينطق يومه ذلك ، ومرت وحوش المشرق إلى وحوش المغرب بالبشارات ، وكذلك أهل البحار يبشر بعضهم بعضا به ، وفي كل شهر من شهوره نداء في الأرض ونداء في السماوات ; أن أبشروا فقد آن لأبي القاسم أن يخرج إلى الأرض ميمونا مباركا . قال : وبقي في بطن أمه تسعة أشهر ، وهلك أبوه عبد الله وهو في بطن أمه ، فقالت الملائكة : إلهنا وسيدنا ، بقي نبيك هذا يتيما . فقال الله تعالى للملائكة : أنا له ولي وحافظ [ ص: 409 ] ونصير ، فتبركوا بمولده ، فمولده ميمون مبارك ، وفتح الله لمولده أبواب السماء وجناته ، وكانت آمنة تحدث عن نفسها وتقول : أتاني آت حين مر بي من حمله ستة أشهر ، فوكزني برجله في المنام ، وقال : يا آمنة ، إنك حملت بخير العالمين طرا ، فإذا ولدتيه فسميه محمدا ، واكتمي شأنك . قال : وكانت تحدث عن نفسها وتقول : لقد أخذني ما يأخذ النساء ، ولم يعلم بي أحد من القوم ؛ ذكر ولا أنثى ، وإني لوحيدة في المنزل ، وعبد المطلب في طوافه . قالت : فسمعت وجبة شديدة ، وأمرا عظيما ، فهالني ذلك ، وذلك يوم الاثنين ، فرأيت كأن جناح طير أبيض قد مسح على فؤادي ، فذهب كل رعب وكل فزع ووجع كنت أجد ، ثم التفت فإذا أنا بشربة بيضاء ظننتها لبنا ، وكنت عطشى ، فتناولتها فشربتها ، فأضاء مني نور عال ، ثم رأيت نسوة كالنخل الطوال ، كأنهن من بنات عبد المطلب يحدقن بي ، فبينا أنا أعجب وأقول : وا غوثاه ، من أين علمن بي ؟ واشتد بي الأمر ، وأنا أسمع الوجبة في كل ساعة أعظم وأهول ، وإذا أنا بديباج أبيض قد مد بين السماء والأرض ، وإذا قائل يقول : خذوه عن أعين الناس . قالت : رأيت رجالا قد وقفوا في الهواء ، بأيديهم أباريق فضة ، وأنا يرشح مني عرق كالجمان ، أطيب ريحا من المسك الأذفر ، وأنا أقول : يا ليت عبد المطلب قد دخل علي ، وعبد المطلب عني ناء . [ ص: 410 ] قالت : ورأيت قطعة من الطير قد أقبلت من حيث لا أشعر حتى غطت حجرتي ، مناقيرها من الزمرد ، وأجنحتها من اليواقيت ، فكشف الله لي عن بصري ، فأبصرت من ساعتي مشارق الأرض ومغاربها ، ورأيت ثلاثة أعلام مضروبات ; علم بالمشرق ، وعلم بالمغرب ، وعلم على ظهر الكعبة ، فأخذني المخاض ، واشتد بي الطلق جدا ، فكنت كأني مستندة إلى أركان النساء ، وكثرن علي حتى كأن الأيدي معي في البيت ، وأنا لا أرى شيئا ، فولدت محمدا ، فلما خرج من بطني درت فنظرت إليه ، فإذا أنا به ساجد وقد رفع أصبعيه كالمتضرع المبتهل ، ثم رأيت سحابة بيضاء قد أقبلت من السماء تنزل حتى غشيته ، فغيب عن عيني ، فسمعت مناديا ينادي ; يقول : طوفوا بمحمد صلى الله عليه وسلم شرق الأرض وغربها ، وأدخلوه البحار كلها ; ليعرفوه باسمه ونعته وصورته ، ويعلموا أنه سمي الماحي ; لا يبقى شيء من الشرك إلا محي به في زمنه . قالت : ثم تجلت عنه في أسرع وقت ، فإذا أنا به مدرجا في ثوب صوف أبيض ، أشد بياضا من اللبن ، وتحته حريرة خضراء ، وقد قبض محمد ثلاثة مفاتيح من اللؤلؤ الرطب الأبيض ، وإذا قائل يقول : قبض محمد على مفاتيح النصر ، ومفاتيح الريح ، ومفاتيح النبوة هكذا أورده وسكت [ ص: 411 ] عليه ، وهو غريب جدا .
وقال الشيخ جمال الدين أبو زكريا يحيى بن يوسف بن يحيى بن منصور بن عمر الأنصاري الصرصري ، المادح ، الماهر ، الحافظ للأحاديث واللغة ، ذو المحبة الصادقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلذلك يشبه في عصره بحسان بن ثابت ، رضي الله عنه ، في ديوانه المكتوب عنه في مديح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد كان ضرير البصر ، بصير البصيرة ، وكانت وفاته ببغداد في سنة ست وخمسين وستمائة ، قتله التتار في كائنة بغداد ، كما سيأتي ذلك في موضعه ، في كتابنا هذا ، إن شاء الله تعالى ، وبه الثقة ، وعليه التكلان . قال في قصيدته من حرف الحاء المهملة من ديوانه :
محمد المبعوث للناس رحمة يشيد ما أوهى الضلال ويصلح لئن سبحت صم الجبال مجيبة
لداود أو لان الحديد المصفح فإن الصخور الصم لانت بكفه
وإن الحصا في كفه ليسبح وإن كان موسى أنبع الماء بالعصا
فمن كفه قد أصبح الماء يطفح وإن كانت الريح الرخاء مطيعة
سليمان لا تألو تروح وتسرح فإن الصبا كانت لنصر نبينا
ورعب على شهر به الخصم يكلح [ ص: 412 ] وإن أوتي الملك العظيم وسخرت
له الجن تسعى في رضاه وتكدح فإن مفاتيح الكنوز بأسرها
أتته فرد الزاهد المترجح وإن كان إبراهيم أعطي خلة
وموسى بتكليم على الطور يمنح فهذا حبيب بل خليل مكلم
وخصص بالرؤيا وبالحق أشرح وخصص بالحوض العظيم وباللوا
ويشفع للعاصين والنار تلفح وبالمقعد الأعلى المقرب ناله
عطاء لعينيه أقر وأفرح وبالرتبة العليا الوسيلة دونها
مراتب أرباب المواهب تلمح ولهو إلى الجنات أول داخل
له بابها قبل الخلائق يفتح