: وممن توفي فيها من الأعيان علاء الدين بن الأثير ، كاتب السر بمصر ، علي بن أحمد بن سعيد بن محمد بن الأثير ، الحلبي الأصل ثم المصري ، كانت له حرمة ، ووجاهة ، وأموال ، [ ص: 326 ] وثروة ، ومكانة عند السلطان ، حتى ضربه الفالج في آخر عمره ، فانعزل عن الوظيفة ، وباشرها ابن فضل الله في حياته . توفي في منتصف المحرم .
الوزير العالم أبو القاسم محمد بن محمد بن سهل بن محمد بن سهل الأزدي الغرناطي الأندلسي ، من بيت الرياسة والحشمة ببلاد المغرب ، قدم علينا إلى دمشق في جمادى الأولى سنة أربع وعشرين وهو في الحج ، سمعت بقراءته " صحيح مسلم " في تسعة مجالس على الشيخ نجم الدين بن العسقلاني ، قراءة صحيحة ، ثم كانت وفاته في القاهرة في ثاني عشرين المحرم ، وكانت له فضائل كثيرة في الفقه ، والنحو ، والتاريخ ، والأصول ، وكان عالي الهمة ، شريف النفس ، محترما ببلاده جدا ، بحيث إنه يولي الملوك ويعزلهم ، ولم يل مباشرة ولا أهل بيته ، وإنما كان يلقب بالوزير مجازا .
شيخنا الصالح العابد الناسك الخاشع شمس الدين أبو عبد الله محمد ابن الشيخ الصالح العابد شرف الدين أبي الحسن بن حسين بن غيلان البعلبكي الحنبلي ، إمام مسجد السلالين بدار البطيخ العتيقة ، سمع الحديث وأسمعه ، وكان يقرئ القرآن طرفي النهار ، وعليه ختمت القرآن في سنة إحدى عشرة وسبعمائة ، وكان من الصالحين الكبار ، والعباد الأخيار ، توفي يوم السبت سادس صفر ، وصلي عليه بالجامع ، ودفن بباب الصغير ، وكانت جنازته حافلة .
[ ص: 327 ] وفي هذا الشهر - أعني صفرا - كانت القاهرة قديدار ، وله آثار غريبة ومشهورة . وفاة والي
بهادرآص ، الأمير الكبير ، رأس ميمنة الشام ، سيف الدين بهادرآص المنصوري ، أكبر أمراء دمشق ، وممن طال عمره في الحشمة والثروة ، وهو ممن اجتمعت فيه الآية الكريمة : زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة الآية [ آل عمران : 14 ] . وقد كان محببا إلى العامة ، وله بر وصدقة وإحسان ، توفي ليلة الثلاثاء تاسع عشر صفر بداره داخل باب توماء المشهورة ، وحضر نائب السلطنة والأمراء جنازته ، ودفن بتربته خارج باب الجابية ، وهي مشهورة أيضا .
الحجار ابن الشحنة الشيخ الكبير المسند المعمر الرحلة شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أبي طالب بن نعمة بن حسن بن علي بن بيان الديرمقرني ثم الصالحي الحجار ، المعروف بابن الشحنة ، سمع " " على البخاري الزبيدي سنة ثلاثين وستمائة بقاسيون ، وإنما ظهر سماعه سنة ست وسبعمائة ، ففرح بذلك المحدثون وأكثروا السماع عليه ، فقرئ " " عليه نحوا من ستين [ ص: 328 ] مرة ، وغيره ، وسمعنا عليه بدار الحديث الأشرفية في أيام الشتويات نحوا من خمسمائة جزء بالإجازات والسماع ، وسماعه من البخاري الزبيدي وابن اللتي ، وله إجازة من بغداد فيها مائة وثمانية وثلاثون شيخا من العوالي المسندين ، وقد مكث مدة مقدم الحجارين نحوا من خمس وعشرين سنة ، ثم كان يخبط في آخر عمره ، واستقرت عليه جامكيته لما اشتغل بإسماع الحديث ، وقد سمع عليه السلطان الملك الناصر ، وخلع عليه ، وألبسه الخلعة بيده ، وسمع عليه من أهل الديار المصرية والشامية أمم لا يحصون كثرة ، وانتفع الناس بذلك ، وكان شيخا حسنا ، بهي المنظر ، سليم الصدر ، ممتعا بحواسه وقواه ، فإنه عاش مائة سنة محققا وزاد عليها; لأنه سمع " " من البخاري الزبيدي في سنة ثلاثين وستمائة ، وأسمعه هو في سنة ثلاثين وسبعمائة في تاسع صفر بجامع دمشق ، وسمعنا عليه يومئذ ، ولله الحمد ، ويقال : إنه أدرك موت المعظم عيسى بن العادل لما توفي ، والناس يسمعهم يقولون : مات المعظم ، وقد كانت وفاة المعظم في سنة أربع وعشرين وستمائة ، وتوفي الحجار يوم الاثنين خامس عشرين صفر من هذه السنة ، وصلي عليه بالجامع المظفري يوم الثلاثاء ، ودفن بتربة له عند زاوية الرومي ، بجوار جامع الأفرم ، وكانت جنازته حافلة ، رحمه الله .
[ ص: 329 ] الشيخ نجم الدين بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن أبو نصر الموصلي ، المعروف بابن الشحام ، اشتغل ببلده ، ثم سافر وأقام بمدينة سراي من مملكة أزبك ، ثم قدم دمشق في سنة أربع وعشرين ، فدرس بالظاهرية البرانية ثم بالجاروخية ، وأضيف إليه مشيخة رباط القصر ، ثم نزل عن ذلك لزوج ابنته نور الدين الأردبيلي ، توفي في ربيع الأول ، وكان يعرف طرفا من الفقه والطب .
الشيخ إبراهيم الهدمة ، أصله كردي من بلاد المشرق ، فقدم الشام ، وأقام بين القدس والخليل ، في أرض كانت مواتا ، فأحياها وغرسها وزرع فيها أنواعا ، وكان يقصد للزيارة ، ويحكي الناس عنه كرامات صالحة ، وقد بلغ مائة سنة ، وتزوج في آخر عمره ، ورزق أولادا صالحين ، توفي في جمادى الآخرة ، رحمه الله .
الست صاحبة التربة بباب الخواصين الخوندة المعظمة المحجبة المحترمة ، ستيتة بنت الأمير سيف الدين كوكاي المنصوري ، زوجة نائب الشام تنكز ، توفيت بدار الذهب ، وصلي عليها بالجامع ثالث رجب ، ودفنت بالتربة التي أمرت بإنشائها عند باب الخواصين ، وفيها مسجد ، وإلى جانبها رباط للنساء [ ص: 330 ] ومكتب للأيتام ، وفيها صدقات ، وبر ، وصلات ، وقراء عليها ، كل ذلك أمرت به ، وكانت قد حجت في العام الماضي ، رحمها الله .
قاضي قضاة طرابلس ، شمس الدين محمد بن عيسى بن محمود البعلبكي ، المعروف بابن المجد الشافعي ، اشتغل ببلده ، وبرع في فنون كثيرة ، وأقام بدمشق مدة يدرس بالقوصية بالجامع ، ويؤم بمدرسة أم الصالح ، ثم انتقل إلى قضاء طرابلس ، فأقام بها أربعة أشهر ، ثم توفي في سادس رمضان ، وتولاها بعده ولده تقي الدين ، وهو أحد الفضلاء المشهورين ، ولم تطل مدته بعده حتى عزل عنها وأخرج منها .
الشيخ الصالح عبد الله بن أبي القاسم بن يوسف بن أبي القاسم الحواري ، شيخ طائفتهم ، وإليه مرجع زاويتهم بحوار ، كان عنده تفقه وزهادة ، ويزار ، وله أصحاب يخدمونه ، وبلغ السبعين سنة ، وخرج لتوديع بعض أهله إلى ناحية الكرك من ناحية الحجاز فأدركه الموت هناك ، فمات في أول ذي القعدة .
الشيخ حسن بن علي بن أحمد الأنصاري الضرير ، كان بفرد عين أولا ، [ ص: 331 ] ثم عمي جملة ، وكان يقرأ القرآن ويكثر التلاوة ، ثم انقطع إلى المنارة الشرقية ، وكان يحضر السماعات ويستمع ويتواجد ، ولكثير من الناس فيه اعتقاد على ذلك; لمجاورته في الجامع ، وكثرة تلاوته وصلاته ، والله يسامحه ، توفي يوم السبت في العشر الأول من ذي الحجة بالمئذنة الشرقية ، وصلي عليه بالجامع ، ودفن بباب الصغير .
محيي الدين أبو الثناء محمود ابن الصدر شرف الدين بن القلانسي ، توفي في ذي الحجة ببستانه ، ودفن بتربتهم بسفح قاسيون ، وهو جد الصدر جلال الدين بن القلانسي ، وأخيه علاء الدين ، وهم ثلاثتهم رؤساء .
الشاب الرئيس صلاح الدين يوسف بن القاضي قطب الدين موسى ابن شيخ السلامية ، ناظر الجيش أبوه ، نشأ هذا الشاب في نعمة ، وحشمة ، وترفه ، وعشرة ، واجتماع بالأصحاب ، توفي يوم السبت تاسع عشرين ذي الحجة ، فاستراح من حشمته وعشرته إن لم تكن وبالا عليه ، ودفن بتربتهم تجاه الناصرية بالسفح ، وتأسف عليه أبواه ومعارفه ، وأصحابه ، سامحه الله .