[ ص: 106 ] ثم دخلت سنة ست وعشرين وثلاثمائة
فيها الروم إلى الخليفة الراضي مكتوب بالرومية والتفسير بالعربية ، فأما الرومي فبالذهب والعربي بالفضة ، وحاصله طلب الهدنة بينه وبينه ، ووجه مع الكتاب بهدايا وألطاف كثيرة فاخرة ، فأجابه الخليفة إلى ذلك ، وفودي من المسلمين ستة آلاف أسير ، ما بين ذكر وأنثى على نهر ورد كتاب من ملك البدندون .
وفيها ارتحل الوزير أبو الفتح بن الفرات من بغداد إلى الشام وترك الوزارة ، فوليها أبو علي بن مقلة ، وكانت ولايته ضعيفة جدا ، ليس له من الأمر شيء مع ابن رائق وطلب من ابن رائق أن يفرغ له عن أملاكه ، فجعل يماطله ، فكتب إلى بجكم يطمعه في بغداد وأن يكون عوضا عن ابن رائق ، وكتب ابن مقلة أيضا إلى الخليفة يطلب منه أن يسلم إليه ابن رائق وابن مقاتل ، ويضمنهم بألفي ألف دينار ، فبلغ ذلك ابن رائق ، فأخذه ، فقطع يده ، وقال : هذا أفسد في الأرض ، ثم جعل يحسن للخليفة أن يستوزره ، وأن قطع يده لا يمنعه من الكتابة ، وأنه يشد القلم على يده اليمنى المقطوعة [ ص: 107 ] فيكتب بها . ثم بلغ ابن رائق أنه قد كتب إلى بجكم بما تقدم ، وأنه يدعو عليه ، فأخذه فقطع لسانه ، وسجنه في مكان ضيق ، وليس عنده من يخدمه ، فكان يستقي الماء بنفسه ; يتناول الحبل من البئر بيده اليسرى ، ثم يمسكه بفيه ، ولقي شدة وعناء ، ومات في محبسه هذا وحيدا ، فدفن هناك ، ثم سأل أهله نقله فدفن في داره ، ثم نقل منها إلى غيرها ، فاتفق له أشياء غريبة ; منها أنه وزر ثلاث مرات ، وعزل ثلاث مرات ، وولي لثلاثة من الخلفاء ، ودفن ثلاث مرات ، وسافر في عمره ثلاث سفرات ; مرتين منفيا ، ومرة في وزارته إلى الموصل كما تقدم .
وفيها بجكم بغداد فقلده الراضي إمرة الأمراء مكان دخل ابن رائق ، وقد كان بجكم هذا من غلمان أبي علي العارض وزير ماكان بن كالي الديلمي ، فاستوهبه ما كان من الوزير ، فوهبه له ، ثم فارق ما كان ، ولحق بمرداويج ، وكان في جملة من قتله في الحمام ، كما تقدم .
وسكن بجكم بدار مؤنس الخادم وعظم أمره جدا ، وانفصل ابن رائق وكانت أيامه سنة وعشرة أشهر وستة عشر يوما .
وفيها بعث أخاه عماد الدولة بن بويه معز الدولة ، فأخذ بلاد الأهواز لأبي عبد الله البريدي ، وانتزعها من يد بجكم ، وأعادها إليه .
وفيها استولى لشكرى أحد أمراء وشمكير الديلمي على بلاد [ ص: 108 ] أذربيجان وانتزعها من رستم بن إبراهيم الكردي ، أحد أصحاب ابن أبي الساج ، بعد قتال طويل .
وفيها اضطرب أمر القرامطة جدا ، وقتل بعضهم بعضا ، وانكفوا بسبب قلتهم عن التعرض للفساد في الأرض ، ولزموا بلدهم هجر لا يرومون منه انتقالا إلى غيره . ولله الحمد والمنة .
وفيها توفي أحمد بن زياد بن عبد الرحمن الأندلسي
كان أبوه من أصحاب مالك ، وهذا الرجل هو أول من أدخل فقه مالك إلى الأندلس ، وقد عرض عليه القضاء بها فلم يقبل .