[ ص: 88 ] ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة
فيها أحضر ، فأنكر جماعة من الفقهاء والقراء عليه حروفا انفرد بها ، فاعترف ببعضها ، وأنكر بعضها ، فاستتيب من ذلك ، واستكتب بخطه بالرجوع عما نقم عليه ، وضرب سبع درر بإشارة الوزير ابن شنبوذ المقرئ أبي علي بن مقلة ، ونفي إلى البصرة أو غيرها ، فدعا على الوزير أن تقطع يده ويشتت شمله ، فكان ذلك عما قريب .
وفيها في جمادى الآخرة نادى بدر الخرشني صاحب الشرطة في الجانبين من بغداد أن لا يجتمع اثنان من أصحاب أبي محمد البربهاري الواعظ الحنبلي ، وحبس منهم جماعة ، واستتر البربهاري ، فلم يظهر مدة .
قال في " المنتظم " : وفي شهر أيار تكاثفت الغيوم ، واشتد الحر جدا ، فلما كان آخر يوم منه - وهو الخامس والعشرون من جمادى الآخرة من هذه السنة - هبت ريح شديدة جدا ، وأظلمت واسودت إلى بعد العصر ، [ ص: 89 ] ثم خفت ، ثم عادت إلى بعد عشاء الآخرة . ابن الجوزي
وفيها استبطأ الأجناد أرزاقهم ، فقصدوا دار الوزير أبي علي بن مقلة ، فنقبوها وأخذوا ما فيها .
ووقع حريق عظيم في طريق البزازين ، فاحترق بسببه للناس شيء كثير ، فعوض عليهم بعض ما كان ذهب لهم . الراضي بالله
وفي رمضان اجتمع جماعة من الأمراء على جعفر بن المكتفي وظهر الوزير على أمرهم ، فحبس بيعة جعفرا ، ونهبت داره ، وحبس جماعة ممن كان بايعه ، وانطفأت ناره .
وخرج الحجاج في خفارة الأمير لؤلؤ ، فاعترضهم أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد الجنابي - لعنه الله - فقتل أكثرهم ، ورجع من انهزم منهم إلى بغداد وبطل الحج في هذه السنة من طريق العراق ، وكان قتله لهم في ليلة الأربعاء لثنتي عشرة خلت من ذي القعدة .
قال : وفي هذه السنة بعينها تساقطت كواكب كثيرة ابن الجوزي ببغداد والكوفة على صفة لم ير مثلها ولا ما يقاربها . قال : وغلا السعر في هذه السنة ، حتى بيع الكر من الحنطة بمائة وعشرين دينارا .
[ ص: 90 ] وفيها على الصحيح كان مقتل ، وكان قبحه الله سيئ السيرة والسريرة ، يزعم أن روح مرداويج بن زيار الديلمي سليمان بن داود حلت فيه ، وله سرير من ذهب يجلس عليه والأتراك بين يديه ، ويزعم أنهم الجن الذين سخروا لسليمان بن داود ، وكان يسيء المعاملة لهم ، ويحتقرهم غاية الاحتقار ، فما زال ذلك دأبه حتى أمكنهم الله منه ، فقتلوه في حمام ، وكان الذي مالأ على قتله غلامه بجكم التركي - جزاه الله عن الإسلام وأهله خيرا - وكان ركن الدولة بن بويه رهينة عنده ، فلما قتل أطلق من السجن والقيد ، فذهب إلى أخيه عماد الدولة ، وذهبت طائفة من الأتراك معه إلى أخيه ، والتفت طائفة أخرى من الأتراك على بجكم ، فسار بهم إلى بغداد بإذن الخليفة له في ذلك ، ثم صرفوا إلى البصرة فكانوا بها .
وأما الديلم فإنهم بعثوا إلى أخي مرداويج ، وهو وشمكير ، فلما قدم عليهم تلقوه إلى أثناء الطريق حفاة مشاة ، فملكوه عليهم لئلا يذهب ملكهم ، فانتدب لمحاربته السعيد نصر بن أحمد الساماني نائب خراسان وما والاها من تلك البلاد والأقاليم ، فانتزع منه بلدانا هائلة .
وفيها بعث القائم بأمر الله الفاطمي جيشا من إفريقية في البحر إلى ناحية الفرنج ، فافتتحوا مدينة جنوة وغنموا غنائم كثيرة وثروة ، ورجعوا سالمين غانمين .
وفيها بعث أخاه عماد الدولة بن بويه ركن الدولة إلى أصبهان فاستولى [ ص: 91 ] عليها وعلى بلاد الجبل ، واتسعت مملكة عماد الدولة ، وقويت شوكته ، وعظمت منزلته .
وفيها كان غلاء شديد بخراسان ، وفناء كثير ، بحيث كان يهمهم أمر دفن الموتى .
وفيها قتل ناصر الدولة أبو محمد الحسن بن عبد الله بن حمدان نائب الموصل عمه أبا العلاء سعيد بن حمدان ; لأنه أراد أن ينتزعها منه ، فبعث إليه الخليفة وزيره أبا علي بن مقلة في جيوش ، فهرب منه ناصر الدولة ، فلما طال مقام ابن مقلة بالموصل رجع إلى بغداد فاستقرت يد ناصر الدولة على الموصل وبعث إلى الخليفة يسأل أن يضمن تلك الناحية ، فأجيب إلى ذلك ، واستمر الحال على ما كان .
وخرج الحجيج ، فلقيهم القرمطي في القادسية فقاتلوه ، فظفر بهم ، فسألوه الأمان ، فأمنهم على أن يرجعوا إلى بغداد فرجعوا ، وتعطل عليهم الحج عامهم ذلك .