( فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ( 44 ) ( فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ( 45 ) قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون ( 46 ) )
( فلما نسوا ما ذكروا به ) تركوا ما وعظوا وأمروا به ، ( فتحنا عليهم أبواب كل شيء ) قرأ أبو جعفر ، " فتحنا " بالتشديد ، في كل القرآن ، وقرأ ابن عامر ، كذلك ، إذا كان عقيبه جمع والباقون بالتخفيف ، وهذا فتح استدراج ومكر ، أي : بدلنا مكان البلاء والشدة الرخاء والصحة ، ( حتى إذا فرحوا بما أوتوا ) وهذا فرح بطر مثل فرح قارون بما أصاب من الدنيا ، ( أخذناهم بغتة ) فجأة آمن ما كانوا ، وأعجب ما كانت الدنيا إليهم ، ( فإذا هم مبلسون ) آيسون من كل خير ، وقال أبو عبيدة : [ ص: 144 ] المبلس النادم الحزين ، وأصل الإبلاس : الإطراق من الحزن والندم ، وروى عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : . ( إذا رأيت الله يعطي العبد ما يحب وهو مقيم على معصيته ، فإنما ذلك استدراج ) ، ثم تلا " فلما نسوا ما ذكروا به " الآية
( فقطع دابر القوم الذين ظلموا ) أي : آخرهم [ الذين بدبرهم ، يقال : دبر فلان القوم يدبرهم دبرا ودبورا إذا كان آخرهم ] ومعناه أنهم استؤصلوا بالعذاب فلم يبق منهم باقية ، ( والحمد لله رب العالمين ) حمد الله نفسه على أن قطع دابرهم لأنه نعمة على الرسل ، فذكر الحمد لله تعليما لهم ولمن آمن بهم ، أن يحمدوا الله على كفايته شر الظالمين ، وليحمد محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ربهم إذا أهلك المكذبين .
قوله تعالى : ( قل أرأيتم ) أيها المشركون ، ( إن أخذ الله سمعكم ) حتى لا تسمعوا شيئا أصلا ( وأبصاركم ) حتى لا تبصروا شيئا ، ( وختم على قلوبكم ) حتى لا تفقهوا شيئا ولا تعرفوا مما تعرفون من أمور الدنيا ، ( من إله غير الله يأتيكم به ) ولم يقل بها مع أنه ذكر أشياء ، قيل : معناه يأتيكم بما أخذ منكم ، وقيل : الكناية ترجع إلى السمع الذي ذكر أولا ويندرج غيره تحته ، كقوله تعالى : ( والله ورسوله أحق أن يرضوه ) ( التوبة ، 62 ) . فالهاء راجعة إلى الله ، ورضى رسوله يندرج في رضى الله تعالى ، ( انظر كيف نصرف الآيات ) أي : نبين لهم العلامات الدالة على التوحيد والنبوة ، ( ثم هم يصدفون ) يعرضون عنها مكذبين .