[ ص: 5 ] [ سورة آل عمران ]
سورة آل عمران - مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
( الم ( 1 ) الله لا إله إلا هو الحي القيوم ( 2 ) نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل ( 3 ) )
قوله تعالى ( الم الله ) قال الكلبي وغيرهما : نزلت هذه الآيات في والربيع بن أنس وفد نجران وكانوا ستين راكبا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم ، وفي الأربعة عشر ثلاثة نفر يؤول إليهم أمرهم : العاقب : أمير القوم وصاحب مشورتهم ، الذي لا يصدرون إلا عن رأيه ، واسمه عبد المسيح ، والسيد : ثمالهم وصاحب رحلهم واسمه الأيهم وأبو حارثة بن علقمة أسقفهم وحبرهم .
دخلوا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى العصر ، عليهم ثياب الحبرات جبب وأردية في [ جمال ] رجال بلحارث بن كعب ، يقول من رآهم : ما رأينا وفدا مثلهم ، وقد حانت صلاتهم فقاموا للصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دعوهم " فصلوا إلى المشرق ، [ فسلم ] السيد والعاقب فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم " أسلما " قالا أسلمنا قبلك قال " كذبتما يمنعكما من الإسلام ادعاؤكما لله ولدا وعبادتكما الصليب وأكلكما الخنزير " قالا إن لم يكن عيسى ولدا لله فمن يكن أبوه؟ وخاصموه جميعا في عيسى ، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم " ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا وهو يشبه أباه " ؟ قالوا بلى قال : " ألستم تعلمون أن ربنا قيم على كل شيء يحفظه ويرزقه " قالوا : بلى ، قال : " فهل يملك عيسى من ذلك شيئا؟ " قالوا : لا قال : " ألستم تعلمون أن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء؟ " قالوا : بلى ، قال : " فهل يعلم عيسى عن ذلك شيئا إلا ما علم؟ " قالوا : لا قال : " فإن ربنا صور عيسى في الرحم كيف شاء [ وربنا ليس بذي صورة وليس له مثل ] وربنا لا يأكل ولا يشرب " قالوا : بلى ، قال : " ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها ، ثم غذي كما يغذى الصبي ثم كان يطعم ويشرب ويحدث؟ " ، قالوا : بلى قال : " فكيف يكون هذا كما زعمتم؟ " فسكتوا ، فأنزل الله تعالى صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها . [ ص: 6 ] فقال عز من قائل ( الم الله ) مفتوح الميم ، موصول عند العامة ، وإنما فتح الميم لالتقاء الساكنين حرك إلى أخف الحركات وقرأ أبو يوسف ويعقوب بن خليفة الأعشى عن أبي بكر ( الم الله ) مقطوعا سكن الميم على نية الوقف ثم قطع الهمزة للابتداء وأجراه على لغة من يقطع ألف الوصل .
قوله تعالى ( الله ) ابتداء وما بعده خبر ، والحي القيوم نعت له
( نزل عليك الكتاب ) أي القرآن ( بالحق ) بالصدق ( مصدقا لما بين يديه ) لما قبله من الكتب في التوحيد والنبوات والأخبار وبعض الشرائع ( وأنزل التوراة والإنجيل من قبل ) وإنما قال : وأنزل التوراة والإنجيل لأن التوراة والإنجيل أنزلا جملة واحدة ، وقال في القرآن " نزل " لأنه نزل مفصلا والتنزيل للتكثير ، والتوراة قال البصريون : أصلها وورية على وزن فوعلة مثل : دوحلة وحوقلة ، فحولت الواو الأولى تاء وجعلت الياء المفتوحة ألفا فصارت توراة ، ثم كتبت بالياء على أصل الكلمة ، وقال الكوفيون : أصلها تفعلة مثل توصية وتوفية فقلبت الياء ألفا على لغة طيئ فإنهم يقولون للجارية جاراة ، وللتوصية توصاة ، وأصلها من قولهم : ورى الزند إذا خرجت ناره ، وأوريته أنا ، قال الله تعالى : " أفرأيتم النار التي تورون " ( الواقعة - 71 ) فسمي التوراة لأنها نور وضياء ، قال الله تعالى : " وضياء وذكرا للمتقين " ( الأنبياء - 48 ) وقيل هي من التوراة وهي كتمان [ السر ] والتعريض بغيره ، وكان أكثر التوراة معاريض من غير تصريح
والإنجيل : إفعيل من النجل وهو الخروج ومنه سمي الولد نجلا لخروجه ، فسمي الإنجيل به لأن الله تعالى أخرج به دارسا من الحق عافيا ، ويقال : هو من النجل وهو سعة العين ، سمي به لأنه أنزل سعة لهم ونورا ، وقيل : التوراة بالعبرانية تور ، وتور معناه الشريعة ، والإنجيل بالسريانية أنقليون ومعناه الإكليل