[ ص: 166 ] ضربت عليهم الذلة يعني قوله تعالى : اليهود . أين ما ثقفوا أي وجدوا ولقوا ، وتم الكلام . وقد مضى في البقرة معنى ضرب الذلة عليهم . إلا بحبل من الله استثناء منقطع ليس من الأول . أي لكنهم يعتصمون بحبل من الله . وحبل من الناس يعني الذمة التي لهم . والناس : محمد والمؤمنون يؤدون إليهم الخراج فيؤمنونهم . وفي الكلام اختصار ، والمعنى : إلا أن يعتصموا بحبل من الله ، فحذف ; قاله الفراء .
وباءوا بغضب من الله أي رجعوا . وقيل احتملوا . وأصله في اللغة أنه لزمهم ، وقد مضى في البقرة . ثم أخبر لم فعل ذلك بهم . فقال ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون وقد مضى في البقرة مستوفى . ثم أخبر فقال ليسوا سواء تم الكلام . والمعنى : ليس أهل الكتاب وأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - سواء ; عن ابن مسعود . وقيل : المعنى ليس المؤمنون والكافرون من أهل الكتاب سواء . وذكر حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب حدثنا هاشم بن القاسم شيبان عن عاصم عن زر عن ابن مسعود قال : ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة إلى قوله : والله عليم بالمتقين وروى أخر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال : إنه ليس من أهل الأديان أحد يذكر الله تعالى في هذه الساعة غيركم قال : وأنزلت هذه الآية ابن وهب مثله . وقال ابن عباس : قول الله عز وجل من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون من آمن مع النبي - صلى الله عليه وسلم - . وقال ابن إسحاق عن ابن عباس لما أسلم ، عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعية ، وأسيد بن سعية ، وأسيد بن عبيد ، ومن أسلم من يهود ; فآمنوا وصدقوا ورغبوا في الإسلام ورسخوا فيه ، قالت أحبار يهود وأهل الكفر منهم : ما آمن بمحمد ولا تبعه إلا شرارنا ، ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم وذهبوا إلى غيره ; فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهم ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون . إلى قوله : وأولئك من الصالحين . وقال الأخفش : التقدير من أهل الكتاب ذو أمة ، أي ذو طريقة حسنة . وأنشد :
[ ص: 167 ]
وهل يأممن ذو أمة وهو طائع
وقيل : في الكلام حذف ; والتقدير من أهل الكتاب أمة قائمة وأخرى غير قائمة ، فترك الأخرى اكتفاء بالأولى ; كقول أبي ذؤيب :عصاني إليها القلب إني لأمره مطيع فما أدري أرشد طلابها
ويأمرون بالمعروف قيل : هو عموم . وقيل : يراد به الأمر باتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - . وينهون عن المنكر والنهي عن المنكر النهي عن مخالفته . ويسارعون في الخيرات التي يعملونها مبادرين غير متثاقلين لمعرفتهم بقدر ثوابهم . وقيل : يبادرون بالعمل قبل الفوت . وأولئك من الصالحين أي مع الصالحين ، وهم محمد - - صلى الله عليه وسلم - في الجنة . أصحاب وما يفعلوا من خير فلن يكفروه قرأ الأعمش وابن وثاب وحمزة والكسائي وحفص وخلف بالياء فيهما ; إخبارا عن الأمة القائمة ، وهي قراءة ابن عباس واختيار أبي عبيد . وقرأ الباقون بالتاء فيهما على الخطاب ; لقوله تعالى : كنتم خير أمة أخرجت للناس [ ص: 168 ] . وهي اختيار أبي حاتم ، وكان أبو عمرو يرى القراءتين جميعا الياء والتاء . ومعنى الآية : وما تفعلوا من خير فلن تجحدوا ثوابه بل يشكر لكم وتجازون عليه .