قوله تعالى : ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير
فيه أربع مسائل :
الأولى : قوله تعالى : ولكل وجهة الوجهة وزنها فعلة من المواجهة . والوجهة والجهة والوجه بمعنى واحد ، والمراد القبلة ، أي إنهم لا يتبعون قبلتك وأنت لا تتبع قبلتهم ، ولكل وجهة إما بحق وإما بهوى .
الثانية : قوله تعالى : هو موليها هو عائد على لفظ كل لا على معناه ; لأنه لو كان على المعنى لقال : هم مولوها وجوههم ، فالهاء والألف مفعول أول والمفعول الثاني محذوف ، أي هو موليها وجهه ونفسه . والمعنى : ولكل صاحب ملة قبلة ، صاحب القبلة موليها وجهه ، على لفظ كل وهو قول الربيع وعطاء . وقال وابن عباس علي بن سليمان : موليها أي متوليها . وقرأ ابن عباس وابن عامر " مولاها " على ما لم يسم فاعله . والضمير على هذه القراءة لواحد ، أي ولكل واحد من الناس قبلة ، الواحد مولاها أي مصروف إليها ، قاله الزجاج . [ ص: 154 ] ويحتمل أن يكون على قراءة الجماعة هو ضمير اسم الله عز وجل وإن لم يجر له ذكر ، إذ معلوم أن الله عز وجل فاعل ذلك والمعنى : لكل صاحب ملة قبلة الله موليها إياه . وحكى الطبري : أن قوما قرءوا ولكل وجهة بإضافة كل إلى وجهة . قال ابن عطية : وخطأها الطبري ، وهي متجهة ، أي فاستبقوا الخيرات لكل وجهة ولاكموها ، ولا تعترضوا فيما أمركم بين هذه وهذه ، أي إنما عليكم الطاعة في الجميع . وقدم قوله ولكل وجهة على الأمر في قوله : فاستبقوا الخيرات للاهتمام بالوجهة كما يقدم المفعول ، وذكر أبو عمرو الداني هذه القراءة عن ابن عباس رضي الله عنهما . وسلمت الواو في وجهة للفرق بين عدة وزنة ، لأن جهة ظرف ، وتلك مصادر . وقال أبو علي : ذهب قوم إلى أنه مصدر شذ عن القياس فسلم . وذهب قوم إلى أنه اسم وليس بمصدر . وقال غير أبي علي : وإذا أردت المصدر قلت جهة ، وقد يقال الجهة في الظرف .
الثالثة : قوله تعالى : فاستبقوا الخيرات أي إلى الخيرات ، فحذف الحرف ، أي بادروا ما أمركم الله عز وجل من استقبال البيت الحرام وإن كان يتضمن الحث على المبادرة والاستعجال إلى جميع الطاعات بالعموم ، فالمراد ما ذكر من الاستقبال لسياق الآي . والمعنى المراد ، والله تعالى أعلم . روى المبادرة بالصلاة أول وقتها عن النسائي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أبي هريرة . وروى إنما مثل المهجر إلى الصلاة كمثل الذي يهدي البدنة ثم الذي على أثره كالذي يهدي البقرة ثم الذي على أثره كالذي يهدي الكبش ثم الذي على أثره كالذي يهدي الدجاجة ثم الذي على أثره كالذي يهدي البيضة عن الدارقطني رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبي هريرة . وأخرجه إن أحدكم ليصلي الصلاة لوقتها وقد ترك من الوقت الأول ما هو خير له من أهله وماله مالك عن يحيى بن سعيد قوله . وروى أيضا عن الدارقطني ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : . وفي حديث خير الأعمال الصلاة في أول وقتها ابن مسعود " أول وقتها " بإسقاط " في " . وروي أيضا عن إبراهيم بن عبد الملك عن عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبي محذورة . زاد أول الوقت رضوان [ ص: 155 ] الله ووسط الوقت رحمة الله وآخر الوقت عفو الله : فقال ابن العربي أبو بكر : رضوان الله أحب إلينا من عفوه ، فإن رضوانه عن المحسنين وعفوه عن المقصرين ، وهذا اختيار . وقال الشافعي أبو حنيفة : آخر الوقت أفضل ; لأنه وقت الوجوب . وأما مالك ففصل القول ؛ فأما ، أما الصبح فلحديث الصبح والمغرب فأول الوقت فيهما أفضل عائشة رضي الله عنها قالت : - في رواية - ( متلففات ) . وأما المغرب فلحديث إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس سلمة بن الأكوع ، أخرجهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب مسلم . وأما . روى العشاء فتأخيرها أفضل لمن قدر عليه ابن عمر قال : . وفي مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة ، فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده ، فلا ندري أشيء شغله في أهله أو غير ذلك ، فقال حين خرج : إنكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم ولولا أن يثقل على أمتي لصليت بهم هذه الساعة عن البخاري أنس قال : . . . ، وذكر الحديث . وقال أخر النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء إلى نصف الليل ثم صلى أبو برزة : كان النبي صلى الله عليه وسلم يستحب تأخيرها . وأما الظهر فإنها تأتي الناس [ على ] غفلة فيستحب تأخيرها قليلا حتى يتأهبوا ويجتمعوا . قال أبو الفرج قال مالك : في شدة الحر . وقال أول الوقت أفضل في كل صلاة إلا للظهر : وكان ابن أبي أويس مالك يكره أن يصلى الظهر عند الزوال ولكن بعد ذلك ، [ ص: 156 ] ويقول : تلك صلاة الخوارج . وفي صحيح وصحيح البخاري الترمذي عن قال : أبي ذر الغفاري . وفي صحيح كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأراد المؤذن أن يؤذن للظهر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أبرد ) ثم أراد أن يؤذن فقال له : ( أبرد ) حتى رأينا فيء التلول ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن شدة الحر من فيح جهنم فإذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة مسلم عن أنس . والذي يجمع بين الحديثين ما رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الظهر إذا زالت الشمس أنس . قال أنه إذا كان الحر أبرد بالصلاة ، وإذا كان البرد عجل أبو عيسى الترمذي : " وقد اختار قوم [ من أهل العلم ] ، وهو قول تأخير صلاة الظهر في شدة الحر ابن المبارك وأحمد وإسحاق . قال : إنما الشافعي إذا كان [ مسجدا ] ينتاب أهله من البعد ، فأما المصلي وحده والذي يصلي في مسجد قومه فالذي أحب له ألا يؤخر الصلاة في شدة الحر . قال الإبراد بصلاة الظهر أبو عيسى : ومعنى من ذهب إلى تأخير الظهر في شدة الحر هو أولى وأشبه بالاتباع ، وأما ما ذهب إليه رحمه الله أن الرخصة لمن ينتاب من البعد وللمشقة على الناس ، فإن في حديث الشافعي أبي ذر رضي الله عنه ما يدل على خلاف ما قال . قال الشافعي أبو ذر : بلال بصلاة الظهر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : [ يا بلال ] أبرد ثم أبرد . فلو كان الأمر على ما ذهب إليه كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأذن لم يكن للإبراد في ذلك الوقت معنى ، لاجتماعهم في السفر وكانوا لا يحتاجون أن ينتابوا من البعد " . وأما الشافعي . ولا خلاف في مذهبنا أن العصر فتقديمها أفضل أفضل من تقديمها ، فإن فضل الجماعة معلوم ، وفضل أول الوقت مجهول ، وتحصيل المعلوم أولى قاله تأخير الصلاة رجاء الجماعة . ابن العربي
الرابعة : قوله تعالى : أينما تكونوا شرط ، وجوابه : يأت بكم الله جميعا يعني [ ص: 157 ] يوم القيامة . ثم وصف نفسه تعالى بالقدرة على كل شيء لتناسب الصفة مع ما ذكر من الإعادة بعد الموت والبلى .