فترى الذين في قلوبهم مرض شك ونفاق ، وقد تقدم في " البقرة " والمراد قوله تعالى : ابن أبي وأصحابه يسارعون فيهم أي : في موالاتهم ومعاونتهم . يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة أي : يدور الدهر علينا إما بقحط فلا يميزوننا ولا يفضلوا علينا ، وإما أن يظفر اليهود بالمسلمين فلا يدوم الأمر لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا القول أشبه بالمعنى ; كأنه من دارت تدور ، أي : نخشى أن يدور الأمر ; ويدل عليه قوله عز وجل : فعسى الله أن يأتي بالفتح ; وقال الشاعر :
يرد عنك القدر المقدورا ودائرات الدهر أن تدورا
يعني دول الدهر الدائرة من قوم إلى قوم . واختلف في معنى الفتح ، فقيل : الفتح الفصل والحكم ، عن قتادة وغيره . قال ابن عباس : أتى الله بالفتح فقتلت مقاتلة بني قريظة وسبيت ذراريهم وأجلي بنو النضير . وقال أبو علي : هو فتح بلاد المشركين على المسلمين . [ ص: 159 ] وقال : يعني بالفتح فتح السدي مكة . أو أمر من عنده قال : هو الجزية . الحسن : إظهار أمر المنافقين والإخبار بأسمائهم والأمر بقتلهم ، وقيل : الخصب والسعة للمسلمين . السدي فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين أي : فيصبحوا نادمين على توليهم الكفار إذا رأوا نصر الله للمؤمنين ، وإذا عاينوا عند الموت فبشروا بالعذاب .قوله تعالى : ويقول الذين آمنوا وقرأ أهل المدينة وأهل الشام : " يقول " بغير واو ، وقرأ أبو عمرو وابن أبي إسحاق : " ويقول " بالواو والنصب عطفا على " أن يأتي " عند أكثر النحويين ، التقدير : فعسى الله أن يأتي بالفتح وأن يقول ، وقيل : هو عطف على المعنى ; لأن معنى عسى الله أن يأتي بالفتح وعسى أن يأتي الله بالفتح ; إذ لا يجوز عسى زيد أن يأتي ويقوم عمرو ; لأنه لا يصح المعنى إذا قلت وعسى زيد أن يقوم عمرو ، ولكن لو قلت : عسى أن يقوم زيد ويأتي عمرو كان جيدا . فإذا قدرت التقديم في أن يأتي إلى جنب عسى حسن ; لأنه يصير التقدير : عسى أن يأتي وعسى أن يقوم ، ويكون من باب قوله :
ورأيت زوجك في الوغى متقلدا سيفا ورمحا
للبس عباءة وتقر عيني أحب إلي من لبس الشفوف