للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا
فيه خمس مسائل : قوله تعالى :
الأولى : لما ذكر الله تعالى أمر اليتامى وصله بذكر المواريث . ونزلت الآية في أوس بن ثابت الأنصاري ، توفي وترك امرأة يقال لها : أم كجة وثلاث بنات له منها ؛ فقام رجلان هما ابنا عم الميت ووصياه يقال لهما : سويد وعرفجة ؛ فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته وبناته شيئا ، وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكرا ، ويقولون : لا يعطى إلا من قاتل على ظهور الخيل ، وطاعن بالرمح ، وضارب بالسيف ، وحاز الغنيمة . فذكرت أم كجة ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهما ، فقالا : يا رسول الله ، ولدها لا يركب فرسا ، ولا يحمل كلا ولا ينكأ عدوا . فقال عليه السلام : انصرفا حتى أنظر ما يحدث الله لي فيهن . فأنزل الله هذه الآية ردا عليهم ، وإبطالا لقولهم وتصرفهم بجهلهم ؛ فإن الورثة الصغار كان ينبغي أن يكونوا أحق بالمال من الكبار ، لعدم تصرفهم والنظر في مصالحهم ، فعكسوا الحكم ، وأبطلوا الحكمة فضلوا بأهوائهم ، وأخطئوا في آرائهم وتصرفاتهم .
[ ص: 42 ] الثانية : قال علماؤنا : في هذه الآية فوائد ثلاث :
إحداها : بيان وهي القرابة . علة الميراث
الثانية : عموم القرابة كيفما تصرفت من قريب أو بعيد .
الثالثة : إجمال النصيب المفروض . وذلك مبين في آية المواريث ؛ فكان في هذه الآية توطئة للحكم ، وإبطال لذلك الرأي الفاسد حتى وقع البيان الشافي .
الثالثة : ثبت أبا طلحة لما تصدق بماله - بئر حاء - وذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال له : اجعلها في فقراء أقاربك فجعلها لحسان وأبي . قال أنس : ( وكانا أقرب إليه مني ) . قال أن أبو داود : بلغني عن محمد بن عبد الله الأنصاري أنه قال : . أبو طلحة الأنصاري زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار يجتمعان في الأب الثالث وهو وحسان بن ثابت بن المنذر بن حرام حرام . . قال وأبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري : بين أبي طلحة وأبي ستة آباء . قال : وعمرو بن مالك يجمع حسان وأبي بن كعب وأبا طلحة . قال أبو عمر : في هذا ما يقضي على القرابة أنها ما كانت في هذا القعدد ونحوه ، وما كان دونه فهو أحرى أن يلحقه اسم القرابة .
الرابعة : قوله تعالى : مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا أثبت الله تعالى للبنات نصيبا في الميراث ولم يبين كم هو ؛ فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى سويد وعرفجة ألا يفرقا من مال أوس شيئا ؛ فإن الله جعل لبناته نصيبا ولم يبين كم هو حتى أنظر ما ينزل ربنا . فنزلت يوصيكم الله في أولادكم إلى قوله تعالى : الفوز العظيم فأرسل إليهما أن أعطيا أم كجة الثمن مما ترك أوس ، ولبناته الثلثين ، ولكما بقية المال .
الخامسة : استدل علماؤنا بهذه الآية في إذا كان فيه تغيير عن حاله ، كالحمام والبيت وبيدر الزيتون والدار التي تبطل منافعها بإقرار أهل السهام فيها . فقال قسمة المتروك على الفرائض مالك : يقسم ذلك وإن لم يكن في نصيب أحدهم ما ينتفع به ؛ لقوله تعالى : مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا . وهو قول ابن كنانة ، وبه قال ، ونحوه قول الشافعي أبي حنيفة . قال [ ص: 43 ] أبو حنيفة : في الدار الصغيرة بين اثنين فطلب أحدهما القسمة وأبى صاحبه قسمت له . وقال : إن كان فيهم من لا ينتفع بما يقسم له فلا يقسم . وكل قسم يدخل فيه الضرر على أحدهما دون الآخر فإنه لا يقسم ؛ وهو قول ابن أبي ليلى . قال أبي ثور ابن المنذر : وهو أصح القولين .
ورواه ابن القاسم ، عن مالك فيما ذكر . قال ابن العربي ابن القاسم : وأنا أرى أن كل ، أن يباع ولا شفعة فيه ؛ لقوله عليه السلام : ما لا ينقسم من الدور والمنازل والحمامات ، وفي قسمته الضرر ولا ينتفع به إذا قسم . فجعل عليه السلام الشفعة في كل ما لا يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة ، وعلق الشفعة فيما لم يقسم مما يمكن إيقاع الحدود فيه . هذا دليل الحديث . الشفعة في كل ما يتأتى فيه إيقاع الحدود
قلت : ومن الحجة لهذا القول ما خرجه من حديث الدارقطني أخبرني ابن جريج صديق بن موسى ، عن محمد بن أبي بكر ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : . قال لا تعضية على أهل الميراث إلا ما حمل القسم أبو عبيد : هو أن يموت الرجل ويدع شيئا إن قسم بين ورثته كان في ذلك ضرر على جميعهم أو على بعضهم . يقول : فلا يقسم ؛ وذلك مثل الجوهرة والحمام والطيلسان وما أشبه ذلك .
والتعضية التفريق ، يقال : عضيت الشيء إذا فرقته . ومنه قوله تعالى : الذين جعلوا القرآن عضين . وقال تعالى : غير مضار فنفى المضارة . وكذلك قال عليه السلام : . وأيضا فإن الآية ليس فيها تعرض للقسمة ، وإنما اقتضت الآية وجوب الحظ والنصيب للصغير والكبير قليلا كان أو كثيرا ، ردا على الجاهلية فقال : للرجال نصيب وللنساء نصيب وهذا ظاهر جدا . فأما إبراز ذلك النصيب فإنما يؤخذ من دليل آخر ؛ وذلك بأن يقول الوارث : قد وجب لي نصيب بقول الله عز وجل فمكنوني منه ؛ فيقول له شريكه : أما تمكينك على الاختصاص فلا يمكن ؛ لأنه يؤدي إلى ضرر بيني وبينك من إفساد المال ، وتغيير الهيئة ، وتنقيص القيمة ؛ فيقع الترجيح . والأظهر سقوط القسمة فيما يبطل المنفعة وينقص المال مع ما ذكرناه من الدليل . والله الموفق . لا ضرر ولا ضرار
قال الفراء : نصيبا مفروضا هو كقولك : قسما واجبا ، وحقا لازما ؛ فهو اسم في معنى [ ص: 44 ] المصدر فلهذا انتصب . الزجاج : انتصب على الحال . أي لهؤلاء أنصباء في حال الفرض . الأخفش : أي جعل الله لهم نصيبا . والمفروض : المقدر الواجب .