الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
131 - ( عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=13229اختتن إبراهيم خليل الرحمن بعد ما أتت عليه ثمانون سنة ، واختتن بالقدوم } . متفق عليه إلا أن nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلما لم يذكر السنين ) .
قوله : ( الختان ) بكسر المعجمة وتخفيف المثناة مصدر ختن أي قطع ، والختن بفتح ثم سكون قطع بعض مخصوص من عضو مخصوص ، والاختتان والختان اسم لفعل الخاتن ، ولموضع الختان كما في حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ( إذا التقى الختانان ) قال الماوردي : ختان الذكر : قطع الجلدة التي تغطي الحشفة والمستحب أن تستوعب من أصلها عند أول الحشفة ، وأقل ما يجزئ أن لا يبقى منها ما يتغشى به .
وقال إمام الحرمين : المستحق في الرجال قطع القلفة وهي الجلدة التي تغطي الحشفة حتى لا يبقى من الجلدة شيء يتدلى . وقال ابن [ ص: 145 ] الصباغ : حتى تنكشف جميع الحشفة . وقال ابن كج فيما نقله الرافعي : يتأدى الواجب بقطع شيء مما فوق الحشفة وإن قل بشرط أن يستوعب القطع تدوير رأسها . قال النووي : وهو شاذ والأول هو المعتمد ، قال الإمام : والمستحق من ختان المرأة ما ينطلق عليه الاسم ، وقال الماوردي : ختانها قطع جلدة تكون في أعلى فرجها فوق مدخل الذكر ، كالنواة أو كعرف الديك ، والواجب قطع الجلدة المستعلية منه دون استئصاله ، قال النووي ويسمى ختان الرجل : إعذار بذال معجمة ، وختان المرأة : خفضا بخاء وضاد معجمتين .
وقال أبو شامة : كلام أهل اللغة يقتضي تسمية الكل إعذارا ، والخفض يختص بالنساء ، قال أبو عبيد : عذرت الجارية والغلام وأعذرتهما ختنتهما واختتنتهما وزنا ومعنى . قال nindex.php?page=showalam&ids=14042الجوهري : والأكثر خفض الجارية ، قال : وتزعم العرب أن الولد إذا ولد في القمر اتسعت قلفته فصار كالمختون ، وقد استحب جماعة من العلماء فيمن ولد مختونا أن يمر بالموسى على موضع الختان من غير قطع . قال أبو شامة : وغالب من يكون كذلك لا يكون ختانه تاما بل يظهر طرف الحشفة فإن كان كذلك وجب تكميله
قوله : ( بالقدوم ) بفتح القاف وضم الدال وتخفيفها : آلة النجارة ، وقيل اسم الموضع الذي اختتن فيه إبراهيم ، وهو الذي في القاموس يقال : بل قد ذكر في باب فضل إبراهيم الخليل من رواية nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مع ذكر السنين .
وأورد nindex.php?page=showalam&ids=13028المصنف الحديث في هذا الباب للاستدلال به على أن nindex.php?page=treesubj&link=742مدة الختان لا تختص بوقت معين ، وهو مذهب الجمهور وليس بواجب في حال الصغر ، وللشافعية وجه أنه يجب على الولي أن يختن الصغير قبل بلوغه ، ويرده حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس الآتي ، ولهم أيضا وجه أنه يحرم قبل عشر سنين ، ويرده حديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=3194أن النبي صلى الله عليه وسلم ختن الحسن nindex.php?page=showalam&ids=17والحسين يوم السابع من ولادتهما } أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر .
قال النووي بعد أن ذكر هذين الوجهين : وإذا قلنا بالصحيح استحب أن nindex.php?page=treesubj&link=17970_742يختتن في اليوم السابع من ولادته ، وهل يحسب يوم الولادة من السبع أو يكون سبعة سواه ، فيه وجهان أظهرهما يحسب انتهى .
واختلف في nindex.php?page=treesubj&link=740_739وجوب الختان فروى الإمام يحيى عن العترة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وكثير من العلماء أنه واجب في حق الرجال والنساء . وعند nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة والمرتضى ، قال النووي : وهو قول أكثر العلماء أنه سنة فيهما . وقال الناصر والإمام يحيى إنه واجب في الرجال لا النساء . احتج الأولون بما سيأتي من حديث عثيم بلفظ : { nindex.php?page=hadith&LINKID=1750ألق عنك شعر الكفر واختتن } وهو لا ينتهض للحجية لما فيه من المقال الذي سنبينه هنالك .
وبحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من أسلم فليختتن ) وقد ذكره الحافظ في التلخيص ، ولم يضعفه ، وتعقب بقول nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : ليس في الختان خبر يرجع إليه ولا سنة تتبع . وبحديث أم عطية - وكانت خافضة - بلفظ : { nindex.php?page=hadith&LINKID=1032أشهي ولا تنهكي } [ ص: 146 ] عند nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي وأبي نعيم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=190الضحاك بن قيس . وقد اختلف فيه على nindex.php?page=showalam&ids=16490عبد الملك بن عمير فقيل عنه عن الضحاك . وقيل عنه عن عطية القرظي ، رواه أبو نعيم . وقيل عنه عن أم عطية رواه أبو داود في السنن ، وأعله بمحمد بن حسان . فقال : إنه مجهول ضعيف ، وتبعه ابن عدي في تجهيله ، nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي ، وخالفهم nindex.php?page=showalam&ids=16390عبد الغني بن سعيد فقال : هو محمد بن سعيد المصلوب في الزندقة
، رواه ابن عدي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=15959سالم بن عبد الله بن عمر . nindex.php?page=showalam&ids=13863والبزار من حديث nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع كلاهما عن nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر مرفوعا بلفظ : { nindex.php?page=hadith&LINKID=43571يا نساء الأنصار اختضبن غمسا واختفضن ولا تنهكن وإياكن وكفران النعم } قال الحافظ : وفي إسناد أبي نعيم مندل بن علي وهو ضعيف ، وفي إسناد ابن عدي خالد بن عمرو القرشي وهو أضعف من مندل . ورواه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني وابن عدي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس نحو حديث أبي داود ، قال ابن عدي : تفرد به nindex.php?page=showalam&ids=15908زائدة وهو منكر ، قاله nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن nindex.php?page=showalam&ids=215ثابت . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني : تفرد به محمد بن سلام .
واحتج القائلون بأنه سنة بحديث : { nindex.php?page=hadith&LINKID=14148الختان سنة في الرجال مكرمة في النساء } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=15689الحجاج بن أرطاة عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه nindex.php?page=showalam&ids=14078، والحجاج مدلس ، وقد اضطرب فيه nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة ، رواه هكذا ، وتارة رواه بزيادة nindex.php?page=showalam&ids=75شداد بن أوس بعد والد أبي المليح ، أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم في العلل nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني في الكبير ، وتارة رواه عن مكحول عن nindex.php?page=showalam&ids=50أبي أيوب ، أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وذكره ابن أبي حاتم في العلل ، وحكي عن أبيه أنه خطأ من nindex.php?page=showalam&ids=14078حجاج أو من الراوي عنه وهو nindex.php?page=showalam&ids=16496عبد الواحد بن زياد .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : هو ضعيف منقطع . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر في التمهيد : هذا الحديث يدور على nindex.php?page=showalam&ids=15689حجاج بن أرطاة ، وليس ممن يحتج به . قال الحافظ : وله طريق أخرى من غير رواية nindex.php?page=showalam&ids=14078حجاج ، فقد رواه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الكبير nindex.php?page=showalam&ids=13933، والبيهقي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس مرفوعا ، وضعفه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في السنن ، وقال في المعرفة : لا يصح رفعه وهو من رواية الوليد عن أبي ثوبان عن ابن عجلان عن عكرمة عنه ، ورواته موثقون إلا أن فيه تدليسا ا هـ .
ومع كون الحديث لا يصلح للاحتجاج لا حجة فيه على المطلوب لأن لفظة السنة في لسان الشارع أعم من السنة في اصطلاح الأصوليين . واحتج المفصلون بوجوبه على الرجال بحجج القول الأول . ولعدم وجوبه على النساء بما في الحديث الذي احتج به أهل القول الثاني من قوله : ( مكرمة في النساء ) والحق أنه لم يقم دليل صحيح يدل على الوجوب والمتيقن السنية كما في حديث : ( خمس من الفطرة ) ونحوه ، والواجب الوقوف على المتيقن إلى أن يقوم ما يوجب الانتقال عنه .
قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : أحسن الحجج أن يحتج بحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة المذكور في الباب أن إبراهيم اختتن وهو ابن ثمانين ، وقد قال الله تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=123ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا } وصح عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن الكلمات التي [ ص: 147 ] ابتلي بهن إبراهيم فأتمهن هن خصال الفطرة ومنهن الختان . والابتلاء غالبا إنما يقع بما يكون واجبا ، وتعقب بأنه لا يلزم ما ذكر إلا إن كان إبراهيم فعله على سبيل الوجوب ، فإنه من الجائز أن يكون فعله على سبيل الندب فيحصل امتثال الأمر باتباعه على وفق ما فعل ، وقد تقرر أن الأفعال لا تدل على الوجوب . وأيضا فباقي الكلمات العشر ليست واجبة . وقال الماوردي : إن إبراهيم لا يفعل ذلك في مثل سنه إلا عن أمر من الله .
والحاصل أن الاستدلال بفعل إبراهيم على الوجوب يتوقف على أنه كان عليه واجبا ، فإن ثبت ذلك استقام الاستدلال .
132 - ( وعن nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير قال : سئل nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : مثل من أنت حين قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : أنا يومئذ مختون وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ) . قوله : ( حتى يدرك ) والإدراك في أصل اللغة بلوغ الشيء وقته وأراد به ههنا البلوغ ، والحديث يدل على ما أسلفناه من أن الختان غير مختص بوقت معين ، وقد تقدم الكلام فيه في الحديث الذي قبله ، ومن فوائد هذا الحديث أن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس كان عند موت النبي صلى الله عليه وسلم في سن البلوغ ، وسيأتي ذكر الاختلاف في عمره عند موت النبي صلى الله عليه وسلم في باب ما يقطع الصلاة بمروره من أبواب السترة .
133 - ( وعن nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : أخبرت عن عثيم بن كليب عن أبيه عن جده أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : قد أسلمت ، قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=70827ألق عنك شعر الكفر } يقول احلق ، قال : وأخبرني آخر معه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لآخر : { nindex.php?page=hadith&LINKID=1750ألق عنك شعر الكفر واختتن } . رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وأبو داود ) . وأخرجه أيضا nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني وابن عدي nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي ، قال الحافظ : وفيه انقطاع وعثيم وأبوه مجهولان قاله ابن القطان ، وقال عبدان : هو عثيم بن كثير بن كليب ، والصحابي هو كليب ، وإنما نسب عثيم في الإسناد إلى جده ، وقد وقع مبينا في رواية nindex.php?page=showalam&ids=15472الواقدي ، أخرجه ابن منده في المعرفة ، وقال ابن عدي : الذي أخبر nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج به هو nindex.php?page=showalam&ids=12357إبراهيم بن أبي يحيى ، وعثيم بضم العين المهملة ثم ثاء مثلثة بلفظ التصغير
، والحديث استدل به من قال بوجوب الختان لما فيه من لفظ الأمر به ، وقد تقدم الكلام عليه .
[ ص: 148 ] فائدة ) اختلف في nindex.php?page=treesubj&link=22665ختان الخنثى فقيل : يجب ختانه في فرجيه قبل البلوغ . وقيل : لا يجوز حتى يتبين ، وهو الأظهر قاله النووي . وأما nindex.php?page=treesubj&link=738من له ذكران فإن كانا عاملين وجب ختانهما وإن كان أحدهما عاملا دون الآخر ختن ، وإذا nindex.php?page=treesubj&link=742_743_744مات إنسان قبل أن يختن فلأصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ثلاثة أوجه : الصحيح المشهور : لا يختن كبيرا كان أو صغيرا ، الثاني : يختن ، والثالث : يختن الكبير دون الصغير .