قال في المجلد التاسع عشر من الفنون في ابن عقيل : وأنا أقول : المطالبة في الآخرة فرع على مطالبة الدنيا وكل حق لم يثبت في الدنيا فلا ثبات له في الآخرة ، ومن خلف مالا وورثة فكأنه استناب في القضاء ، والدين كان مؤجلا فالنائب عنه يقضي مؤجلا ، والذمة عندي باقية ، ولا أقول : الحق متعلق بالأعيان ، ولهذا تصح البراءة منه ويصح ضمان دين الميت لبقاء حكم الذمة فلا وجه لمطالبة الآخرة ، فقيل : له الذي امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليه كان معسرا ; لأنه سأل " هل خلف وفاء ؟ " فقيل : لا ، وقد أجل الشرع دين المعسر أجلا حكميا بقوله تعالى : { حل الدين بالموت فنظرة إلى ميسرة } .
ثم أجله حال الحياة لم يوجب بقاءه بعد الموت حتى شهد الشرع بارتهانه فقال : تلك قضية في عين فيحتمل أن يكون عند النبي صلى الله عليه وسلم علم بأن كان مماطلا بالدين ثم افتقر بعد المطل بإنفاق المال فحمل الأمر على الأصل الذي عرف منه وقضية الأعيان إذا احتملت وقفت فلا يعدل عن الأصل المستقر لأجلها ، والأصل المستقر هو أن كل حق موسع لا يحصل بتأخيره في زمان السعة والمهلة نوع مأثم بدليل من ابن عقيل لا يأثم بخلاف من مات قبل خروج وقت الصلاة مع التأخير والإمكان من الأداء ، مات بعد خروج الوقت في الخلاف هذا المعنى فقال فيمن له تأخير الصلاة فمات قبل الفعل : لم يأثم وتسقط بموته قال : لأنها لا تدخلها النيابة فلا فائدة في بقائها في الذمة بخلاف الزكاة والحج وعلى أنه لا يمتنع أن لا يأثم ، والحق في الذمة كدين معسر لا يسقط بموته ، ولا يأثم بالتأخير لدخول النيابة لجواز الإبراء وقضاء الغير عنه . وللقاضي
وقيل له : لو وجبت الزكاة لطولب بها في الآخرة [ ص: 76 ] ولحقه المأثم كما لو أمكنه . فقال : هذا لا يمنع من ثبوت الحق في الذمة بدليل الدين المؤجل والمعسر بالدين .