وقال أبو الفرج في أوائل صيد الخاطر فإنه ينال بها سلامة بدنه ودينه [ ص: 225 ] وجاهه عند الله عز وجل وعند الخلق ; لأن الخلق يهون عليهم من يخالطهم ولا يعظم عندهم قول المخالط لهم ، ولهذا عظم عليهم قدر الخلفاء لاحتجابهم . ما أعرف للعالم قط لذة ولا عزا ولا شرفا ولا راحة وسلامة أفضل من العزلة
وإذا رأى العوام أحد العلماء مترخصا في أمر هان عندهم ، فالواجب عليه صيانة علمه وإقامة قدر العلم عندهم فقد قال بعض السلف كنا نمزح ونضحك فإذا صرنا يقتدى بنا فما أراه يسعنا وقال سفيان تعلموا هذا العلم واكظموا عليه ولا تخلطوه بهزل فتمجه القلوب ، فمراعاة الناس لا ينبغي أن تنكر فقد قال عليه السلام { لعائشة رضي الله عنها الكعبة وجعلت لها بابين } . لولا حدثان قومك بكفر لنقضت
وقال في الركعتين قبل المغرب رأيت الناس يكرهونها فتركتها فلا نسمع من جاهل يرى مثل هذه الأشياء رياء ، إنما هذه صيانة للعلم ، إلى أن قال فيصير بمثابة تخليط الطبيب الأمر بالحمية ، فلا ينبغي للعالم أن يتبسط عند العوام حفظا لهم ، ومتى أراد مباحا فليستتر به عنهم . أحمد
وهذا القدر الذي لاحظه أبو عبيدة حين رأى قد قدم عمر بن الخطاب الشام راكبا على حمار ورجلاه من جانب فقال يا أمير المؤمنين يلقاك عظماء الناس ، فما أحسن ما لاحظ ، إلا أن رضي الله عنه أراد به تأديب عمر أبي عبيدة بحفظ الأصل فقال إن الله أعزكم بالإسلام فمهما طلبتم العز في غيره أذلكم .
والمعنى ينبغي أن يكون طلبكم العز بالدين لا بصور الأفعال وإن كانت الصور تلاحظ انتهى كلامه ، وقد سبق هذا المعنى بنحو ثلاث كراريس في فصول العلم .