فمن الحوادث فيها صفين وقعة
وذلك أن عليا رضي الله عنه توادعا على ترك الحرب في شهر المحرم طمعا في الصلح ، واختلفت بينهما الرسل ، فلم تنفع . ومعاوية
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك ، ومحمد بن ناصر ، قالا: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار ، قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري ، قال: أخبرنا محمد بن أحمد المقدمي ، قال: أخبرنا إبراهيم بن عبد الرحيم ، قال: أخبرنا أبو معمر ، قال: حدثنا أبو أسامة ، عن يزيد بن مردانية ، قال: حدثني أخي سعيد بن مردانية ، قال: أخبرنا ، قال: قال عمرو بن حريث عدي بن حاتم الطائي: كنا بصفين في يوم حار مع رضي الله عنه ، فقصدته وهو في سبعمائة من ربيعة ، فقلت له: ألا تروح إلى القوم ، فإما لنا وإما علينا ، فسكت فلم يجبني ، فقلت: ما لي أراك مخيما ، ألا تروح إلى القوم فإما لنا وإما علينا ، فقال: ادن منا يا علي ابن حاتم ، فتخطيت الناس إليه حتى وضعت يدي على ركبته ، فقال لي: يا عدي ، إن مع قوم يطيعونه ، وأنا مع قوم يعصوني ، فأما الذين معي فأشد مكايدة من الذين مع معاوية ، [ ص: 118 ] فعذرته ورحمته رحمة شديدة ما رحمت أحدا مثلها قط . معاوية
قال علماء السير: فتناهدوا عند انسلاخ المحرم ، وبات رضي الله عنه يعبي الكتائب ، ويقول: لا تقاتلوهم إلا أن يبدءوكم ، فإذا قاتلتموهم فهزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا ولا تجهزوا على جريح ، ولا تأخذوا شيئا من أموالهم . وبعث على خيل علي أهل الكوفة الأشتر ، وعلى خيل أهل البصرة ، وعلى رجالة سهل بن حنيف أهل الكوفة ، وعلى رجالة عمار بن ياسر أهل البصرة قيس بن سعد وهاشم بن عتبة مع ابنه .
وبعث على ميمنته معاوية ابن ذي الكلاع الحميري ، وعلى ميسرته ، وعلى مقدمته حبيب بن مسلمة الفهري أبو الأعور السلمي ، وكان على خيول الشام كلها عمرو بن العاص ، ومسلمة بن عقبة على رجالة أهل دمشق ، والضحاك بن قيس على رجالة الناس كلهم . وبايع رجال من أهل الشام على الموت ، فعقلوا أنفسهم بالعمائم وكانوا خمسة صفوف .
ثم اقتتلوا فكانوا يتبارزون ، التقوا جميعا في بعض الأيام ، لا ينصرف بعضهم عن بعض إلا إلى الصلاة ، وكثرت القتلى بينهم ، ثم تحاجزوا عند الليل ، ثم أصبحوا على القتال ، وكان رضي الله عنه يتقدم حتى إن النبل لتمر بين عاتقه ومنكبه ، وكان علي يقول: أردت أن أنهزم ، فذكرت قول معاوية ابن الإطنابة ، والإطنابة امرأة من بلقين وهو:
أبت لي عفتي وحياء نفسي وإقدامي على البطل المشيح وإعطائي على المكروه مالي
وأخذي الحمد بالثمن الربيح وقولي كلما جشأت وجاشت
مكانك تحمدي أو تستريحي
وكان يقول: والله لو ضربونا حتى تبلغوا بنا سعفات عمار هجر لعلمت أنا على الحق وهم على الباطل . وكان يصيح يا بعمرو بن العاص: عمرو ، بعت دينك بمصر تبا [ ص: 119 ] لك تبا طالما بغيت في الإسلام عوجا . ثم قال لأصحابه: لقد قاتلت صاحب هذه الراية – يعني - ثلاثا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذه الرابعة . عمرو بن العاص
وكان رضي الله عنه يحمل ويضرب حتى ينثني سيفه ، فقتل علي ، فقال عمار لأبيه: يا أبه ، قتلتم هذا الرجل في يومكم هذا ، وقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: عبد الله بن عمرو فقال "ويحك تقتلك الفئة الباغية" عمرو: أتسمع ما يقول عبد الله ، فقال إنك شيخ أخرق ، ولا تزال تحدث بالحديث وأنت تدحض في بولك ، أو نحن قتلنا معاوية: ، إنما قتل عمارا من جاء به . عمارا
أخبرنا محمد بن أبي طاهر ، [أخبرنا الجوهري ، أخبرنا ، أخبرنا ابن حيويه ابن معروف ، أخبرنا الحسين بن الفهم ، أخبرنا ] محمد بن سعد ، أخبرنا أبو معاوية ، عن ، عن الأعمش عبد الرحمن بن زياد ، عن عبد الله بن الحارث ، قال: إني لأسير مع في منصرفه عن معاوية صفين بينه وبين ، فقال عمرو بن العاص عبد الله بن عمرو: لعمار: " سمية ، تقتلك الفئة الباغية" فقال ويحك يا ابن عمرو ألا تسمع ما يقول هذا؟ قال: فقال لمعاوية: ما تزال تأتينا بهنة تدحض بها في بولك ، أنحن قتلناه؟ إنما قتله الذين جاءوا به معاوية: . يا أبه ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
قال علماء السير: ولما قتل حمل عمار رضي الله عنه وأصحابه ، فلم يبق علي لأهل الشام صف إلا انتقض ، وقتلوا كل من انتهوا إليه حتى بلغوا ، معاوية وعلي رضي الله عنه يقول:
أضربهم ولا أرى معاويه الجاحظ العين العظيم الحاويه
أنبأنا عبد الوهاب الحافظ ، [أخبرنا عاصم بن الحسين ، أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، أخبرنا عثمان بن أحمد ، أخبرنا ] أبو الحسن بن البراء ، قال: لما ولي رضي الله عنه أقام علي بالمدينة أربعة أشهر ، ثم خرج إلى البصرة ، وكانت وقعة الجمل في سنة ست وثلاثين ، ثم رجع إلى علي الكوفة ، ثم سار إلى صفين ، وكانت الحرب سنتين ، وقتل بصفين سبعون ألفا: خمسة وأربعون ألفا من أهل الشام ، وخمسة وعشرون ألفا من أهل العراق ، منهم خمسة وعشرون بدريا . وكان المقام بصفين مائة يوم وعشرة أيام ، وكان فيه تسعون وقعة ، وفي سنة ثمان وثلاثين التقى الحكمان .
أخبرنا الحافظ بن عبد الوهاب وابن ناصر [قالا: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار ، أخبرنا ، أخبرنا ابن حيويه ، أخبرنا أبو بكر بن الأنباري محمد بن أحمد المقدمي ، أخبرنا أحمد بن سعد الزهري ، أخبرنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، أخبرنا ، عن حماد بن زيد هشام ، ] عن ، قال: قتل يوم محمد بن سيرين صفين سبعون ألفا ، ما عرفت عدتهم إلا بالقصب ، كان يوضع على كل قتيل قصبة .