فصل
فلما رأى أن أمر عمرو بن العاص العراق قد اشتد وخاف الهلاك ، قال [ ص: 121 ] هل لك في أمر أعرضه عليك لا يزيدنا إلا اجتماعا ، ولا يزيدهم إلا فرقة ، قال: نعم قال: نرفع المصاحف ثم نقول: ما فيها حكم بيننا وبينكم فإن أبى بعضهم أن يقبل ، وقال بعضهم: بل نقبل ، فتكون فرقة تقع بينهم ، وإن قالوا: نقبل ، رفعنا هذا القتال إلى أجل . لمعاوية:
، من لثغور فرفعوا المصاحف بالرماح وقالوا: هذا كتاب الله بيننا وبينكم أهل الشام بعد أهل الشام ، ومن لثغور أهل العراق بعد أهل العراق . فلما رأى الناس المصاحف قد رفعت ، قالوا: نجيب إلى كتاب الله ونثيب إليه ، فقال رضي الله عنه: ما رفعوها إلا خديعة ، فقالوا له: ما يسعنا أن ندعى إلى كتاب الله فنأبى أن نقبله ، فقال: إني إنما أقاتلهم بحكم الكتاب ، فقال له علي مسعر بن فدكي التميمي ، وزيد بن حصين الطائي في عصابة معهما من القراء الذين صاروا خوارج بعد ذلك: يا ، أجب إلى كتاب الله إذا دعيت إليه ، وإلا ندفعك برمتك إلى القوم ، أو نفعل ما فعلنا علي بابن عفان ، إنه أبى علينا أن نعمل بما في كتاب الله فقتلناه ، والله لتفعلنها أو لنفعلنها بك .
قال: أما أنا فإن تطيعوني تقاتلوا ، وإن تعصوني فاصنعوا ما بدا لكم ، قالوا: فابعث إلى الأشتر فليأتك . فأرسل إليه ، فقال للرسول: إني قد رجوت أن يفتح الله لي فلا تعجلني . فارتفع الرهج من قبل الأشتر ، فقال القوم: ما نراك أمرته إلا بالقتال ، فقال: هل رأيتموني ساررته؟
قالوا: فابعث إليه فليأتك وإلا اعتزلناك فبعث إليه: أقبل إلي فإن الفتنة قد وقعت . فلما بلغه ذلك ، قال: ألرفع المصاحف؟ قال: نعم ، قال: أما والله لقد ظننت حين رفعت أنها ستوقع اختلافا وفرقة ، فقال له الرسول: أتحب أن تظفرها هنا وتسلم أمير المؤمنين إلى عدوه؟ فأقبل حتى انتهى إليهم ، فقال: يا أهل العراق ، يا أهل الذل والوهن ، أحين قهرتم القوم رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها ، وقد والله تركوا ما أمر الله به فيها ، أمهلوني فإني قد رأيت النصر ، فقالوا: إذا ندخل معك في خطيئتك ، فقال: خدعتم والله فانخدعتم ، . وقال الناس: قد قبلنا أن نجعل القرآن بيننا [وبينهم حكما] . [ ص: 122 ] فقال فسبوه وسبهم الأشعث : يا ، لأي شيء رفعتم هذه المصاحف؟ قال: لنرجع إلى أمر الله به ، تبعثون رجلا ترضون به ، ونبعث منا رجلا ، ثم نأخذ عليهما أن يعملا بما في كتاب الله لا يعدوانه ، ثم نتبع ما اتفقا عليه . معاوية
فجاء الأشعث إلى فأخبره ، فقال الناس: قد رضينا ، فقال علي أهل الشام : فإنا قد اخترنا ، فقال عمرو بن العاص الأشعث وأولئك الذين صاروا خوارج بعد: فإنا رضينا بأبي موسى الأشعري ، فقال إنكم عصيتموني في أول الأمر فلا تعصوني الآن ، إني لا أرى أن أولي علي: أبا موسى ، فقال أولئك: إنا لا نرضى إلا به ، قال: فهذا ، قالوا: لا نريد إلا رجلا هو منك ومن ابن عباس سواء ، ليس إلى واحد منكما بأدنى منه إلى الآخر ، قال: فإني أجعل معاوية الأشتر ، قالوا: وهل سعر الأرض غير الأشتر ؟ قال: فاصنعوا ما شئتم .
فقال الأحنف رضي الله عنه: إنك قد رميت بحجر الأرض ، فإنه لا يصلح لهؤلاء القوم إلا رجل يدنو منهم حتى يصير في أكفهم ، ويبعد حتى يصير بمنزلة النجم منهم ، فإن أبيت أن تجعلني حكما فاجعلني ثانيا أو ثالثا فإنه لن يعقد عقدة إلا حللتها ، ولن يحل عقدة أعقدها إلا عقدت لك أخرى أحكم منها . فأبى الناس إلا لعلي أبا موسى . فكتبوا: "بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما تقاضى عليه أمير المؤمنين " . فقال علي عمرو: اكتب اسمه واسم أبيه ، وهو أميركم ، أما أميرنا فلا ، فقال لا تمح اسم "إمارة المؤمنين" فإني أخاف إن محوتها لا ترجع إليك أبدا ، فأبى ذلك الأحنف بن قيس: ، فقال له علي الأشعث : امح هذا الاسم برحه الله ، فمحي .
فقال الله أكبر ، سنة بسنة ، والله إني لكاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم علي: الحديبية إذ قالوا: لست رسول الله ، ولا نشهد لك به ، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك . فكتب: هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان قاضي على علي أهل الكوفة ومن معهم من شيعتهم من المؤمنين والمسلمين ، وقاضي على معاوية أهل الشام ومن كان معهم من المؤمنين والمسلمين ، إنا ننزل عند حكم الله وكتابه ، [ ص: 123 ] نحيي ما أحيا ، ونميت ما أمات ، فما وجد ، أبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص - وما لم يجدا في كتاب الله فالسنة العادلة الجامعة غير المفرقة . وأخذ الحكمان من الحكمان في كتاب الله عز وجل - وهما علي ومن الجندين العهود والمواثيق أنهما آمنان على أنفسهما وأهلهما ، والأمة لهما أنصار على الذي يتقاضيان عليه ، وعلى المؤمنين والمسلمين من الطائفتين كلتيهما عهد الله وميثاقه أنا على ما في هذه الصحيفة ، وأجلا القضاء إلى رمضان ، وإن أحبا أن يؤخرا ذلك أخراه على تراض منهما . وكتب في يوم الأربعاء لثلاث عشر خلت من صفر سنة سبع وثلاثين ، على أن يوافي ومعاوية علي موضع الحكمين ومعاوية بدومة الجندل في رمضان ، فإن لم يجتمعا بذلك اجتمعا من العام المقبل .
وخرج الأشعث بذلك الكتاب يقرؤه على الناس ، ويعرضه عليهم ، فمر به على طائفة من بني تميم فيهم عروة بن أدية ، فقرأه عليهم ، فقال عروة : تحكمون في أمر الله الرجال ، لا حكم إلا لله ، ثم سل سيفه فضرب به عجز دابته ، فغضب للأشعث قومه [وناس كثير من أهل اليمن ] ، ثم سكتوا .
وأذن بالرحيل ، فمضى علي على طريق البر على شاطئ علي الفرات حتى انتهى إلى هيت وعلى صندوداء .
وقال سيف الضبي : أقاموا بصفين سبعة أو تسعة أشهر . وكان بينهم القتال نحو سبعين زحفا ، وقتل في ثلاثة أيام نحو سبعين ألفا من الفريقين .
قال : بلغني أنه كان يدفن في القبر خمسون . الزهري
قال ربيعة بن لقيط: مطرت السماء عليهما دما كانوا يأخذونه بالآنية .