من العشي علي إلى عبد الله بن عباس طلحة والزبير ، [وبعثاهما من العشي وبعث محمد بن طلحة إلى ، وأن يكلم كل واحد منهما أصحابه ، فقالوا: نعم ، فلما أمسوا] أرسل علي طلحة والزبير إلى رؤساء أصحابهما ، وأرسل إلى رؤساء أصحابه ، ما خلا أولئك الذين هضبوا على علي عثمان ، فباتوا على الصلح ، وباتوا بليلة لم [ ص: 88 ] يبيتوا بمثلها للعافية من الذي أشرفوا عليه ، [والنزوع عما اشتهى الذين اشتهوا ، وركبوا ما ركبوا] ، وبات الذين أثاروا أمر عثمان بشر ليلة [باتوها قط] ، قد أشرفوا على الهلكة ، وجعلوا يتشاورون ليلتهم كلها ، حتى اجتمعوا على إنشاب الحرب [في السر] ، واستسروا بذلك خشية أن يفطن لهم ، فغدوا مع الغلس ، وما يشعر بهم [أحد غير] جيرانهم ، فخرج مضريهم إلى مضريهم ، [وربعيهم إلى ربعيهم] ، ويمانيهم إلى يمانيهم ، حتى وضعوا فيهم السلاح ، فثار أهل البصرة ، وثار كل قوم في وجوه أصحابهم الذين بهتوهم ، وخرج الزبير فبعثا إلى الميمنة وطلحة عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وإلى الميسرة عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد ، وثبتا في القلب ، وقالا: ما هذا؟
قالوا: طرقنا أهل الكوفة ليلا ، فقالا: قد علمنا أن عليا غير منته حتى يسفك الدماء ، [ويستحل الحرمة] ، وإنه لن يطاوعنا ، ثم رجعا بأهل البصرة .
فسمع علي وأهل الكوفة الصوت ، وقد وضعوا رجلا قريبا من ليخبره بما يريدون ، فلما قال: ما هذا؟ قال ذلك الرجل: ما فاجئنا إلا وقوم منهم قد بيتونا ، فرددناهم من حيث جاءوا ، فوجدنا القوم على رجل فركبونا ، وثار الناس ، وقال علي لصاحب ميمنته: ائت الميمنة ، ولصاحب ميسرته ائت الميسرة ، ولقد علمت أن علي طلحة والزبير غير منتهيين حتى يسفكا الدماء ، ونادى في الناس: كفوا ، فكان رأيهم جميعا ألا يقتتلوا حتى يبدءوا . وأقبل علي كعب بن سعد حتى أتى رضي الله عنهما ، فقال: أدركي ، فقد أبى القوم إلا القتال ، لعل الله يصلح بك . فركبت ، وألبسوا هودجها الأدراع ، ثم بعثوا جملها ، فلما برزت - وكانت بحيث تسمع الغوغاء - وقفت ، فقالت: ما هذا؟ قالوا: ضجة العسكر ، قالت: بخير أم بشر؟ قالوا: بشر . قالت: وأي الفريقين كانت منهم هذه [ ص: 89 ] الضجة فهم المهزومون . فما فجئها إلا الهزيمة ، فمضى عائشة الزبير في وجهه ، فسلك وادي السباع ، وجاء طلحة سهم غرب يخل ركبته بصفحة الفرس ، فلما امتلأ موزجه دما وثقل قال لغلامه: ابغني مكانا أنزل فيه ، وتمثل بهذا يقول:
ندمت ندامة الكسعي لما شربت رضا بني سهم برغمي أطعتهم بفرقة آل لأي
فألقوا للسباع دمي ولحمي
وكان القتال الأول يتسحر إلى انتصاف النهار ، وأصيب فيه طلحة رضي الله عنه ، وذهب فيه الزبير ، فلما أووا إلى وأبى عائشة أهل الكوفة إلا القتال ، ولم يريدوا إلا ، اقتتلوا حتى تحاجزوا بعد الظهر ، وذلك يوم الخميس في جمادى الآخرة ، فاقتتلوا صدر النهار مع عائشة طلحة والزبير ، وفي وسطه مع ، وتزاحف الناس ، فهزمت يمن عائشة البصرة يمن الكوفة ، وربيعة البصرة ربيعة الكوفة ، ونهد بمضر علي الكوفة إلى مضر البصرة .
واقتتلت المجنبتان حين تزاحفتا قتالا يشبه ما فيه القلبان ، وأقبل أهل اليمن [ ص: 90 ] على راية فقتل على راية علي من علي أهل الكوفة عشرة ، كلما أخذها رجل قتل قيل: وكان العشرة خمسة من همذان وخمسة من سائر اليمن .
ولما رأت الكماة من مضر الكوفة ومضر البصرة الصبر جعلوا يتوخون الأطراف: الأيدي والأرجل ، فما رئيت وقعة قط قبلها ولا بعدها ، ولا يسمع بها أكثر يدا مقطوعة [ورجلا مقطوعة] منها ، لا يدرى من صاحبها .
فلما ظهر الخلل في العسكرين رموا الجمل ، وقالوا: لا يزول القوم أو يصرع الجمل ، وأزرت مجنبتا فصارت في القلب ، وكانت علي أم المؤمنين في حلقة من أهل النجدات والبصائر ، وكان لا يأخذ أحد بالزمام إلا كان كمن يحمل الراية ، وكان لا يأخذه إلا معروف عند المطيفين بالجمل ، فإن القوم ليقتتلون عليه ، وما رامه أحد من أصحاب إلا قتل أو أفلت ، ثم لم يعد . ولما اختلط الناس بالقلب جاء علي فحمل عليه ، ففقئت عينه ونكل . عدي بن حاتم
وحدثنا سيف ، عن ، عن هشام بن عروة أبيه ، قال: كان لا يجيء رجل فيأخذ بالزمام حتى يقول: أنا فلان بن فلان ، فجاء ، فقالت: من أنت؟ قال: أنا عبد الله بن الزبير ، فقالت: وا ثكل عبد الله بن الزبير أسماء . وانتهى إلى الجمل الأشتر ، فخرج ، وعدي بن حاتم عبد الله بن حكيم بن حزام إلى الأشتر ، فاختلفا ضربتين ، فقتله الأشتر ، ومضى إليه فضربه عبد الله بن الزبير الأشتر على رأسه ، فجرحه جرحا شديدا ، وضرب عبد الله الأشتر ضربة خفيفة ، واعتنق كل واحد منهما صاحبه ، وخرا إلى الأرض يعتركان . [ ص: 91 ]
وحدثنا سيف ، عن الصعب بن عطية ، عن أبيه ، قال: لا والله ما بقي من بني عامر يومئذ شيخ إلا أصيب قدام الجمل .
وحدثنا سيف ، عن محمد ، قالا: كان من آخر من قاتل ذلك اليوم وطلحة زفر بن الحارث ، فزحف إليه القعقاع ، وقال: يا بجير بن دلجة ، صح بقومك فليعقروا الجمل قبل أن يصابوا وتصاب أم المؤمنين ، فاجتث ساق البعير وأقطع بطانه وحملا الهودج فوضعاه .
وحدثنا سيف ، عن الصعب ، عن أبيه ، قال: لما اختلط بالجمل وعقره بجير بن دلجة ، قال رضي الله عنه: علي
إليك أشكو عجري وبجري ومعشرا غشوا علي بصري
قتلت منهم مضرا بمضري شفيت نفسي وقتلت معشري
وحدثنا سيف ، عن ، عن إسماعيل بن أبي خالد حكيم بن جابر ، قال: قال طلحة يومئذ: اللهم أعط عثمان مني حتى يرضى ، فجاءه سهم غرب وهو واقف ، فخلى ركبته بالسرج ، فمضى به إلى دار من دور البصرة خربة ، فمات فيها .
وحدثنا سيف ، عن فطر بن خليفة ، عن أبي بشير ، قال: شهدت الجمل ، فو الله ما سمعت دق القصارين إلا ذكرت يوم الجمل .
وحدثنا سيف ، عن محمد بن راشد السلمي ، عن ميسرة أبي جميلة ، أن [ ص: 92 ] محمد بن أبي بكر أتيا وعمار بن ياسر وقد عقر الجمل ، فاحتملا الهودج ، فنحياه ، فقال عائشة ادخلا بها علي: البصرة ، فأدخلاها دار عبد الله بن خلف الخزاعي .
وحدثنا سيف ، عن محمد ، قالا: أمر وطلحة نفرا بحمل الهودج من بين القتلى ، وقد كان علي القعقاع وزفر بن الحارث أنزلاه عن ظهر البعير ، فوضعاه إلى جنب البعير ، فأقبل محمد بن أبي بكر [إليه ومعه نفر] ، فأدخل يده فيه ، فقالت: من هذا؟
قال: أخوك البر ، قالت: عققت ، فأبرزوها بهودجها من القتلى ، فوضعوها ليس قربها أحد ، وكأن هودجها فرخ مقصب مما فيه من النبل . أعين بن ضبيعة المجاشعي حتى اطلع في الهودج ، فقالت: إليك لعنك الله ، فقال: والله ما أرى إلا حميراء ، قالت: هتك الله سترك ، وقطع يدك ، وأبدى عورتك . فقتل وجاء بالبصرة ، وسلب ، وقطعت يده ، ورمي به عريانا في خربة من خراب الأزد ، فارتقى إليها رضي الله عنه ، فقال: أي أماه ، يغفر الله لنا ولكم ، قالت: غفر الله لنا ولكم . علي بن أبي طالب
وحدثنا سيف ، عن الصعب بن حكيم بن شريك ، عن أبيه ، عن جده قال: انتهى محمد بن أبي بكر إلى الهودج ومعه ، فقطعا الأنساع عن الهودج واحتملاه ، فلما وضعاه أدخل عمار بن ياسر محمد يده ، وقال: أخوك محمد ، قالت: مذمم ، قال: يا أخية ، هل أصابك شيء؟ قالت: ما أنت من ذلك في شيء ، قال: فمن إذن ، الضلال؟ قالت: بل الهداة . وانتهى إليها رضي الله عنه ، وقال: كيف أنت يا أماه؟ قالت: بخير ، قال: يغفر الله لك ، قالت: ولك . علي
وحدثنا سيف ، عن محمد ، قالا: لما كان من آخر الليل خرج وطلحة محمد حتى أدخلها بعائشة البصرة ، فأنزلها في دار عبد الله بن خلف الخزاعي على صفية ابنة الحارث بن طلحة ، وهي أم طلحة الطلحات . [ ص: 93 ]